جديد الإعلانات :

العنوان : أتدرون ما الغيبة؟؟

عدد الزيارات : 5433

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فإليك أيها القارئ الكريم نبذة مختصرة عن الغيبة وقاني الله وإياك شرها، فما أكثر الواقعين فيها، المتساهلين بشأنها وشأنها عند الله عظيم.
1. تعريف الغِيبة:
الغِيبة: ذكرك أخاك بما يكره، سواء كان ما قلته فيه حقاً أم باطلاً، فإن كان ما قلته فيه فهذه الغيبة، وإن كنت افتريت عليه ما ليس فيه فهذه غيبة وافتراء وبهتان. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم! قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قيل أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
2. حكم الغيبة:
الغيبة محرمة إجماعاً قال تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضاً، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم). فشبه الله تعالى القدح في المسلم كالأكل من لحم الأخ بعد موته، ومعلوم أن النفس البشرية السليمة الطبع تنفر من أكل لحم الإنسان ولو كان عدوا كافرا ولو كان لحمه غضاً طرياً فكيف بأكل لحم الأخ في الدين أو النسب بعد موته وفساد لحمه. أي فكذلك ينبغي أن ينفر المسلم عن الغيبة لأنها شر من أكل لحم أخيه ميتاً.=
وعن أسامة بن شريك قال خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قال يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئا أو أخرت شيئا فكان يقول لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك رواه أبو داود.
وعن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق رواه أبو داود
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر في حجة الوداع : “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم”. متفق عليه
3. الغيبة المغلظة: غيبة العلماء والأمراء:
إذا كانت الغيبة كلها محرمة _ إلا ما استثني _ فليعلم أنها تتفاوت وذلك حين ينبني عليها فساد عظيم ومن ذلك غيبة العلماء وغيبة الأمراء، لأن اغتيابهما والقدح فيهما والطعن عليهما من أسباب فساد أمر الدين والدنيا، فإن الناس إذا زهدوا في العلماء أعرضوا عنهم، وولوا وجوههم إلى الجهال يستفتونهم ويرجعون إليهم فيضلونهم عن سواء السبيل إما جهلاً وإما هوى،
وإذا زهد الناس في ولاة أمرهم أبغضوهم، ثم تمردوا عليهم ثم يحصل بسبب ذلك من سفك الدماء وهتك الأعراض وسلب الأموال والفساد في الأرض ما لا يعلمه إلا الله.
وقد ظهر في هذا العصر الطعن في العلماء بالمداهنة والجهل بالواقع والتعالي على الأمة والعزلة عنها، ونحو ذلك من صور الطعن، وظهر الطعن في الأمراء من رميهم بالفسوق والفجور بل والكفر ومحاربة الله ورسوله وموالاة الكفار ونحو ذلك من التهم والطعون الظالمة الآثمة. والطعن في ولاة الأمر من علماء وأمراء هو دين الخوارج كلاب النار وهو دين المعتزلة من بعدهم أيضاً وورثهم في هذا العصر من ورثهم فبئس الوارث وبئست التركة.
قال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء فإن عظموا هذين صلحت أخراهم ودنياهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا أخراهم ودنياهم.
وعن أنس بن مالك قال نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله قال: لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله، واصبروا فإن الأمر قريب”. [كتاب السنة لابن أبي عاصم 2/448]
مساوئ الغيبة:
مفاسد الغيبة كثيرة جداً ومنها تنقص المسلم وانتهاك حرمة عرضه وكفى به جرماً، ومنها أنها من أسباب الفرقة والتنافر بين المسلمين، والمسلمون أخوة قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة).
4. عقوبة المغتاب:
لقد جاءت النصوص الصحيحة بشيء من عذاب الذين يغتابون الناس بغير وجه حق، فمن ذلك:
• بيان عظم ذنب الغيبة ولو كانت كلمة فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي : صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية زوج النبي كذا وكذا _ تعني أنها قصيرة _ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ) فانظر لهذا الوعيد العظيم على هذه الكلمة التي لا يراها كثير من الناس شيئاً.
• كما أن الغيبة من أسباب عذاب القبر ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فسمعهما يعذبان فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فيعذب في البول وأما الآخر فيعذب في الغيبة . رواه أحمد وغيره عن أبي بكرة.
• ومن عذاب أهل الغيبة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم رواه أبو داود.
5. كيف تتوب من الغيبة:
الغيبة من الذنوب والله سبحانه قد أمر عباده أن يتوبوا من الذنوب جميعها قال تعالى (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) وقال تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) وشروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والندم عليه، والعزم الأكيد على عدم العودة إليه، وإذا كان الذنب يتعلق بحقوق الآدميين _ كالغيبة_ فلا بد من شرط رابع وهو الاستحلال. أي طلب المسامحة منهم فتقول لمن اغتبته إني تكلمت فيك وأرجو أن تسامحني، فإن عفا فالحمد لله وإن لم يستحلهم كانت المقاصة يوم القيامة بالحسنات والسيئات عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه . رواه البخاري ومذهب جمهور أهل العلم أن الغيبة إذا لم تبلغ من وقعت عليه فلا يلزم أن يستحله بل يكفي أن يدعو له وأن يثني عليه خيراً.
6. بماذا تعامل المغتاب:
1- إذا سمعت المغتاب فينبغي أن تسكته إذا تيسر لك لأنه منكر حضرته فيلزمك إنكاره حسب المراتب الثلاث. بالقوة لصاحب السلطان، وباللسان لمن لا يملك السلطة، وبالقلب لمن لا يملك شيئاً من ذلك.
2- الذب عن عرض أخيك المسلم ، وفي الذب عن أعراض المسملين أجر عظيم فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار . رواه أحمد وغيره.
3- إذا لم تستطع شيئاً من ذلك فقم من هذا المجلس لأنه مجلس زور ومعصية والله تعالى وصف عباد الرحمن بصفات عظيمة ومنها أنهم لا يشهدون الزور. وقال تعالى ({وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (68) سورة الأنعام
من المواضع التي تباح فيها الغيبة:
الأصل في الغيبة التحريم والمنع، ولكن جاءت الشريعة بإباحة ذكر المرء بما يكره في حالات لرجحان مصلحة الغيبة فيها، وقد نص عليها أهل العلم، وهي :
1- التظلم فيجوز للمظلوم أن يتظلم للسلطان والقاضي فيقول فلان ظلمني أو أخذ مالي حتى ينتصر له ممن ظلمه.
2- عند الاستعانة على تغيير منكر فتقول لمن ترجو إعانته فلان يفعل كذا وكذا فانصحه أو فازجره ونحو ذلك.
3- الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني أخي أو زوجي وعدم التعيين أحسن في هذه الحال مع الإمكان ودليل الجواز حديث هند بنت عتبة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني ما يكفيني وبني فهل علي جناح أن آخذ من ماله شيئا قال خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف).
4- تحذير المسلمين من الشر ومنه بيان ضعف رواة الحديث و الطعن في عدالة الشهود عند القاضي وهذا جائز بالإجماع.
ومنها تحذير الطالب الذي يتردد على شيخ مبتدع أو يستمع له مباشرة أو في شريط أو يقرأ له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من رأس الخوارج ذي الخويصرة التميمي كما في صحيح البخاري وغيره، وحذر من فرقة الخوارج وسماها كلاب النار كما في سنن أبي داود، وروي عنه أنه حذر من القدرية الذين ينكرون القدر، وهكذا فعل الصحابة بعده حذروا من الفرق الهالكة التي خرجت في زمانهم، وحذروا من أئمتها بأسمائهم وأعيانهم، وعلى هذا سار أئمة السلف من بعدهم فنصوا على أسماء من لا تقبل روايته، وحذروا من الفرق ومن أهل البدع ودعاتها والمؤلفات الباطلة حماية لجناب الدين ، ونصحاً للمسلمين.
وعلى هذا الهدي سار أئمة السنة في عصرنا فحذروا من الفرق الضالة كـ(حزب التحرير) و (جماعة الإخوان المسلمين) و(جماعة التبليغ) ونصوا على التحذير من بعض المؤلفات ككتاب (في ظلال القرآن) فهذا ليس من الغيبة في شيء كما يشيعه كثير من الجهال وأهل الأهواء بل هو من النصيحة ،بل هو من الجهاد في سبيل الله بل من أعظم أنواع الجهاد لعظم مصلحته وعموم نفعه “قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلى ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل” (مجموع الفتاوى 28/231).
5- المجاهر بالفسق فيذكر بما يجاهر به خاصة.
6- التعريف فإن كان معروفاً بلقب كالأعمش أو الأعرج فيذكر بما اشتهر به بقصد التعريف لا بقصد التنقص، وهذا لا ينافي قوله تعالى (ولا تنابزوا بالألقاب) إذ ليس في ذكره بلقبه الذي اشتهر به ما يحزنه أو يؤذيه، ولأن شهرة لقبه صارت كالاسم الذي لا يكاد يتميز إلا به. وقد جمعها بعض أهل العلم في قوله:
الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
وخلاصة ما تقدم:
1- وجوب الحذر من الغيبة ولا سيما غيبة العلماء والأمراء.
2- وجوب المسارعة إلى التوبة منها، فالغيبة من أسباب عذاب القبور، ومن أسباب عذاب النار بعد النشور.
3- ليس كل غيبة محرمة بل منها ما هو جائز لرجحان منفعته كما تقدم بيانه. وبالله التوفيق.
علي بن يحيى بن علي الحدادي
إمام وخطيب جامع عائشة بالرياض

One comment

  1. جزاكم الله خيرا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *