العنوان : استنكار الإرهاب ام الاعتذار لأهله؟!!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن أقسى المحن التي تمر بها بلادنا هذه الأيام فتنة الإرهاب، الفتنة التي سفكت فيها الدماء، ، وأتلفت الأموال، وروع الآمنون بغير حق، وقد واجه ولاة الأمر هذه الفتنة، بالرفض الصريح، وتهديد المجرمين بأقسى العقوبات الرادعة، في بيانات واضحة تولّى إعلانها كبار رجال الدولة أيدهم الله، وواجه كبار العلماء هذه الفتنة بالرفض الصريح أيضاً، وبينوا بالأدلة الشرعية ضلال هذه الفئة وانحرافها عن الجادة، وحذروا شباب الأمة من سلوك طريق الغواية، وحذروهم من عواقبها الوخيمة.
لكن الغريب حقاً هو موقف كثير من (الدعاة) من هذه الفتنة، ووجه الغرابة أنهم لا يذكرون قضية الإرهاب إلا ويدعون إلى القضاء على مسوغات الإرهاب بزعمهم، كالقضاء على البطالة، والكف عن محاربة الدعوة، والسعي في رفع المظالم ونحو ذلك من المعاذير.
وهذا الأسلوب في استنكار الإرهاب أسلوب غير سليم إذ يشتمل على محاذير عدة، ومنها:
1- مخالفة هذا الطرح للأسلوب الذي سلكه ولاة الأمر وكبار العلماء حفظهم الله، وهو الأسلوب القائم على الرفض والزجر القاطع الذي لا تشم منه روائح الاعتذار، وهو الكفيل إن شاء الله بردع من يخاف الله من أهل الإنصاف وإنما سلكوا هذا الطريق اغتراراً، لما فيه من التذكير بوعيد الآخرة، وهو الكفيل بإذن الله بردع من يطلب الدنيا باسم الدين لما فيه من الوعيد بإنزال العقوبات الدنيوية الرادعة.
2- مخالفة الأسلوب الشرعي، في موقفه من الخوارج، و من شابههم من المفسدين في الأرض، وتوضيح ذلك أن الله عز وجل ذم المفسدين في الأرض، وتوعدهم بالوعيد الشديد، ولم يعتذر لأحد منهم، ولا شك أنه قد يكون من دواعي الفساد في الأرض بالقتل والسرقة ونحوها فقر المفسد وحاجته، قال تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
وهكذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج على ولاة الأمور، وتوعد الخارجين بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، ولم يستثن أحداً، لكونه مغرراً به أو مستفزاً بدواعي الفقر، أو الغيرة على الدين، أو نحو ذلك من المعاذير التي نسمعها اليوم.
يقول صلى الله عليه وسلم (من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” رواه مسلم. وفي رواية له “ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت ميتة جاهلية”.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الذي اعترض عليه في قسمة الغنائم: (إن في أمتي أخاً لهذا، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرجوا فاقتلوهم كلما خرجوا فاقتلوهم، كلما خرجوا فاقتلوهم) رواه ابن أبي عاصم وقال الألباني : إسناده صحيح على شرط البخاري.
وهذا سلمة بن يزيد رضي الله عنه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم” رواه مسلم. فهذا هو التوجيه النبوي الكريم الذي لم يجعل ظلم الولاة عذراً في خروج، فهل سيعقله دعاتنا ، ويلتزمون به دون مراوغة.
إن التحذير من الباطل الذي يصادم النصوص الشرعية، ومعتقد السلف الصالح يجب أن يكون تحذيراً صريحاً واضحاً، بينا لا لبس فيه، ولا تلتمس له المعاذير.
3- تلك المعاذير لو كانت متحققة لما جاز أن تكون عذراً لهذا الفساد المشاهد اليوم، إذ قرر الراسخون في العلم أنه حتى لو كفر الحاكم كفراً صراحاً لما جاز الخروج عليه إلا بشروط، ومنها ألا يترتب على الخروج فساد، فما الظن إذن وهذه الفتن تغتال أمن واستقرار خير بلاد الله في الأرض اليوم حكما بالشريعة، وإظهاراً لمنارها.
4- كان الواجب على من سلك هذا الأسلوب الاعتذاري أن ينصح شباب الأمة بسلوك منهج السلف الصالح في التعامل مع ولاة الأمر، ويفقهوهم بالنصوص الشرعية الأثرية، ويحذروهم تحذيراً لا لبس فيه من سلوك طريق الخوارج، أسوة بأئمتهم من الحكام وكبار العلماء، ويذكروهم بمواقف السلف الصالح من أهل البدع والأهواء، فنص واحد من كتاب أو سنة صحيحة، خير من عشرات الصفحات في التنظيرات الفكرية التي تزيد الفتنة ولا تطفئها.
5- في هذه الاعتذارات إيغار وتهييج لقلوب الرعية _ ولو لم يكن مقصوداً _ وسبب هذا الإيغار ما يسمعه السامع من هؤلاء الدعاة في بيان أسباب الإرهاب من وجود الظلم والتضييق على الدعوة، والبطالة، وسوء المعيشة، فيغتر عامة السامعين لا سيما من الشباب بهذا الكلام فلا يزيدهم إلا كرهاً وبغضاً لولاة أمرهم، و(الخير لا يأتي بالشر)، فلو كان هذا الأسلوب خيراً لما أثمر هذا الشر العظيم.إن على الدعاة إلى الله جميعاً لا سيما في هذه البلاد أن يحرصوا الحرص كله على تحصيل أسباب الائتلاف بين الراعي والرعية، وأن يجتنبوا كل ما يثير الفتن من قريب أو بعيد، والمقاصد الحسنة لوحدها لا تكفي بل لا بد من الطريقة الحسنة، مع النية الحسنة.
6- إن كان المقصود بإبداء هذه الأسباب هو النصيحة لولاة الأمور، فليس هذا طريق النصيحة، بل النصيحة لولاة الأمر لا تكون إلا سراً، ثم إذا بذل الناصح نصيحته فلا يخبر بها أحداً، كما قرره أهل العلم الربانيون، وكما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة، وكما درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، فأين الضوابط الشرعية المقررة في هذه النصيحة التي شرقت وغربت؟.
7- الأسباب التي قيل بأنها وراء الإرهاب منها ما هو شيء واقع لكن لا يلزم أن يكون هو السبب، ومنها ما لا وجود له إلا في ذهن قائله فضلاً عن أيكون سبباً مؤثراً. فقد أمر الله المؤمنين بالسمع والطاعة، وصرح النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الوفاء بحقوق البيعة كاملة، ولو حصل الجور والظلم، ولو ضرب الأمير ظهرك، وأخذ مالك، وأمر بالصبر عند الأثرة، فمن من هؤلاء الشباب الذين تورطوا في هذه العمليات صرح بأنه خرج بسبب الظلم الواقع عليه، أو بسبب الفقر المدقع الذي أقفل عليه باب الأمل في الحياة، إن صورهم التي ظهروا عليها لا تدل علي جوع، ولا على فقر، فالأجسام صحيحة، والأسلحة تحت أيديهم، والسيارات تحت أرجلهم، والأموال بحوزتهم، ومنهم المنقطع عن دراسته، ومنهم المنقطع عن وظيفته، فأين هو الفقر الذي استفزهم إلى التفجير والتدمير أين هو؟
الخروج على الولاة بالسلاح ليس نتيجة الفقر والبطالة، لكنه نتيجة فقر الفقه الصحيح،والمعتقد السليم، لأن العقائد والأفكار الضالة هي التي تدفع أصحابها إلى التكفير، والتفجير والتدمير حيث ترى في عملها جهاداً، وفي موتها في سبيل عقيدتها استشهاداً؟
لقد خرج الناس على عثمان رضي الله عنه أرغد ما كانوا عيشاً، وأعز ما كانوا سلطاناً، تظللهم خلافة راشدة، على رأسها صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، والمبشر بالجنة، فما الذي أخرجهم؟ أخرجتهم العقائد الفاسدة والاغترار بدعاة السوء الذين مكروا بالأمة مكراً كُبّاراً، فأظهروا الكيد والتأليب والمكر في صورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغيرة على الدين تماماً كما فعل اليوم ذلك من فعل والله المستعان.
إن هؤلاء الشباب لو فقهوا دين الله على منهاج السلف الصالح لعلموا أن واجبهم عند حصول الظلم والجور _ لو حصل _ هو الصبر، والتعاون مع الولاة في الخير،والدعاء لهم بالصلاح، وستر المعايب ونشر المحاسن، وتأليف القلوب على أمرائها مراعاة لمصلحة الأمة واجتماع كلمتها، والانشغال بطلب العلم، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، و الانشغال بما يصلح الدنيا فيما أباح الله عز وجل حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر. لكن أنى يفقهون مثل هذا وهم يظنون ظن السوء بفقهاء الأمة وعلمائها؟. وأما مسألة التضييق على الدعاة والحجر على الدعوة كما يقوله بعض هؤلاء المعذّرين في أكثر من مقام ومنها ما ذكره بعضهم في جريدة الجزيرة عدد(11028) فأين هذا التضييق المزعوم؟ وأين هذا الحجر الموهوم؟
يا أيها القراء الكرام : أليست المدارس والجامعات، والمساجد والجوامع والمخيمات معمورة بالدروس والمحاضرات والندوات؟
أليس الإعلام يساهم ببرامجه الدينية في الدعوة إلى الله بجهد مشكور؟
أليس كبار العلماء يفتون المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، ويدرسون طلاب العلم، ويؤلفون المؤلفات النافعة؟
أليس العلماء وأساتذة الجامعات، والأئمة والخطباء محل تكريم الدولة ورعايتها؟
ألم تنشئ هذه الدولة وزارة كاملة للدعوة والإرشاد؟
أليس الدعاة السعوديون يجوبون المشارق والمغارب يدعون إلى الله بدعم رسمي؟
فأين هذا التضييق المزعوم، والحجر الموهوم؟
نعم. أوقفت الدولة بعض الدعاة، لكن بسبب أنفسهم حيث انحرفت مقاصد الدعوة على أيديهم فصارت تحريضاً، وتهييجاً، ومشاقة لسياسة البلاد، ولفتاوى كبار علمائها، فاقتضت المصلحة إيقاف بعضهم حماية للمصلحة العامة، وعلى هذا فمن الغش للأمة أن يسمى إيقاف هذا النوع حرباً للدعوة، فإن تبديل الحقائق بالأسماء المضللة مما يجب أن يربأ الدعاة والمصلحون بأنفسهم عنه.
كما يجب التزام الصدق والحقيقة فقد دعا تسويغ الفساد في الأرض الى ذكر ما لا حقيقة له، ومن أطرف ما سمعت بأذني قول بعضهم في بعض وسائل الإعلام لقد أسلم بعد تفجيرات (11 سبتمبر) عشرون ألف شخص؟!! يا سبحان الله! عشرون ألف شخص يعتنقون دين من دمّرهم وأرعبهم، وقتل الأبرياء منهم، إنها لإحدى العجائب حقاً، إلا إن كان العشرون ألفاً مفطورين على الإجرام والتدمير والظلم والعدوان فوجدوا الدين الذي ينشدون! الدين الذي يأمر بالظلم، ويعد عليه بالجنة؟!
إن الذي صرح بهذا التصريح هو ممن يشجب تلك الأحداث بزعمه والسؤال:لماذا يرفضها إذن وهذه بعض ثمراتها عنده؟. إنه شجب الإرهاب، ثم تسويغه بذكر ثماره المزعومة، أو التهوين من شأنه بالبحث عن أعذاره ومبرراته.
وبعد:
مما سبق تتبين بعض المحاذير الخطيرة التي تترتب على الاعتذار للإرهابيين، فحري بالدعاة إلى الله لا سيما الذين لهم حضور واضح في وسائل الإعلام ومخاطبة الجمهور أن يسلكوا الطرق الشرعية التي دلت عليها النصوص، والبعد عن الاغترار بالاستحسانات العقلية التي تخالف النصوص فإن عواقبها لا تكون إلا شراً.
إن كثيراً من شبابنا اليوم فريسة للدعوات المغرضة التي تبغّضهم في ولاة أمرهم، وتشككهم في كبار علمائهم.
وفريسة للجهالة التامة بأصول أهل السنة والجماعة في قضايا متعددة ومنها طاعة ولاة الأمور، والتكفير، والولاء والبراء، وتوقير علماء الشريعة. لذلك تراهم يتخبطون في ظلمات الحيرة والشك، مع كونهم في بلاد سلفية تحكم بشرع الله عز وجل، وبين علماء كبار هم مرجع المسلمين قاطبة في معرفة أمور الدين.
فمن الذي لبّس عليهم حتى فصل بينهم وبين دولتهم، وفصل بينهم وبين علمائهم، فأفسدوا دينهم وديناهم؟.
أليس طموح الشباب أن يعيشوا تحت ظلال الإسلام والسنة؟ فما بالهم لا يدركون أنهم يعيشون آمالهم واقعاً لا حلماً.
إن هذا الواقع المأساوي الذي يتخبط فيه شبابنا إلا من عصم الله يوجب على العلماء والدعاة والخطباء والمعلمين وأساتذة الجامعات أن يكشفوا هذه الحقائق وأمثالها للمجتمع كله، لا سيما الشباب منهم، وأن لا يتركوهم فريسة للدعوات المضللة التي تجيد إفساد العقول والأفكار، لكن تحت ستار الدين والنصح، ويا له من ستار!!.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
علي بن يحيى الحدادي
1424هـ