جديد الإعلانات :

العنوان : الإجازة الصيفية: مقترحات ومحاذير

عدد الزيارات : 2665

( الخطبــة الأولــى)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا)

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا)

أما بعد:

إن الإجازة الصيفية نعمة كبيرة ولكن في حق من استغلها الاستغلال الصحيح.. فهي نعمة في حق من جعلها فرصة للتزود من طلب العلم الشرعي النافع ومن فضل الله أن هيأ في بلادنا حلقات علمية شرعية متفرقة في أنحاء البلاد تعين طلبة العلم على استغلال أوقاتهم في هذه الإجازة .

وطلب العلم الشرعي على أيدي علماء السنة نعمة جليلة . قال صلى الله عليه وسلم ” من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ” متفق عليه .

ولما اختلطت الأمور كان لزاماً على طالب العلم أن يبحث عن أهل العلم المعروفين بالسنة المجانبين للبدعة.

 وهي فرصة لحفاظ القرآن لمراجعة حفظهم وتأكيده وتثبيته لما يتيسر لهم فيها من الفراغ، وكذا هي فرصة لقطع شوط في الحفظ لمن كان قد شرع فيه.

 أما ما نسمعه من حفظ القرآن في شهر في بعض الدورات فإنه لم يكن من طريقة الصحابة الاستعجال في الحفظ المجرد عن التفقه بل كان قراء القرآن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين جمعوا بين حفظ آياته والفقه في معانيه قال ابن مسعود: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن”

وقال أبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب: أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخرى حتى يعلموا ما فيهن فكنا نتعلم القرآن والعمل به، وسيرث القرآن قوم يشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم” اهـ  ثم إنه من المعلوم أن ما حفظ سريعاً ذهب سريعاً.

 والإجازة فرصة لصلة الأرحام التي لا يمكن صلتها بالتواصل في غيرها.. وصلة الرحم من أعظم القربات قال صلى الله عليه وسلم ” أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ” .

وقال صلى الله عليه وسلم ” من أحب أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه ” .

والإجازة فرصة لمن أراد أن يعتمر ففي العمرة خير كثير, يقول صلى الله عليه وسلم ” العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما”.

والصلاة الواحدة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة, والطواف بالبيت عبادة لا يمكن أن تؤدى في مكان من الأرض غير المسجد الحرام .

والإجازة فرصة لمن أراد أن يزور مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم, فالصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام, وفي المدينة يشرع للمسلم زيارة مسجد قباء والصلاة فيه والدعاء لأهل البقيع, و وزيارة شهداء أحد والسلام على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لكن السفر لا يكون إلا بقصد زيارة المسجد النبوي فقط لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ” .

وبعض الناس يخرج من بلده قاصداً زيارة الرسول وهذه بدعة منكرة وإحداث أمر في الدين لم يأذن به الله . ومن المنكرات استقبال القبر النبوي عند الدعاء فالكعبة هي قبلة الصلاة وهي قبلة الدعاء .

ومن البدع أيضاً زيارة المساجد السبعة في المدينة وقصد زيارة بئر عثمان والسفر من المدينة إلى بدر من أجل الصلاة في مسجد العريش.

والصعود إلى غار حراء في مكة بنية التعبد والقربة إلى الله وغير ذلك مما يحرص عليه أهل الغلو في تتبع آثار الأنبياء والصالحين وهو الداء الذي هلكت به من سبقتنا من الأمم.

 ومن المنكرات زيارة النساء للمقابر لحديث ” لعن الله زوارات القبور ” فلا يجوز للمرأة على الصحيح  زيارة القبور لا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولا البقيع ولا مقابر المعلاة في مكة ولا غيرها لكنها إن مرت على المقبرة سلمت ودعت بالمأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم.

والإجازة فرصة لمن أراد من الشباب أن يتزود من العلوم الدنيوية النافعة التي تنفعه في حاضره ومستقبله أو اكتساب الخبرة في العمل المكتبي أو التجاري أو المهني فإن التمرن عليها خير من إضاعة الأوقات في اللهو واللعب مع الأخدان والأصحاب قال علي بن جعفر مضى أبي إلى أبي عبد الله رحمه الله _ يعني أحمد بن حنبل_  وذهب بي معه ، فقال له : يا أبا عبد الله ، هذا ابني ، فدعا لي ، وقال لأبي ألزمه السوق ، وجنبه أقرانه” اهـ

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

( الخطبــة الثانيــة )

أما بعد:

فكما أنه يوجد من يحسن استغلال الإجازة فيما ينفعه عاجلاً وآجلاً فإنه كذلك يوجد من يسيء استغلالها فيقضيها فيما يعود عليه بالمضرة  فمن هؤلاء:

الذين يسافرون إلى البلاد الكافرة بقصد السياحة والنزهة, لأن مخالطة الكفار  تورث مفاسد كثيرة من ضعف الإيمان, وذهاب الحياء, والتعود على رؤية المنكرات, والفواحش العظيمة, وقد يقع في الفواحش كالزنا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير وغير ذلك من المفاسد، وقد يدخل قلبه الإعجاب بهم لا سيما إذا رأى تقدمهم في دنياهم ورأى بعض الأخلاق والسلوكيات الجيدة التي تحملهم عليها المصالح الدنيوية ثم قارن بين ذلك وبين ما عهده في بلده فتجد بعض هذا الصنف لا يكاد يفتر لسانه عن مدح الكفار والذم والطعن والعيب والقدح في المسلمين، متغافلاً عما عندهم من سيئة الشرك والكفر بالله واليوم الآخر ومحاربة الله ورسله وتقديم المصالح الدنيوية على كل اعتبار.

متناسياً مع عند المسلم من التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة والصوم والحج وقراءة القرآن وإن حصل ضعف في أخلاقه أو أمانته  أو صدقه فإن الشيطان يحرص على صاحب التوحيد أكثر من حرصه على الكافر كما يروى عن ابن عباس أنه قال (ما يفعل اللص بالبيت الخرب) لما قال أهل الكتاب إنا لا نوسوس في صلاتنا كما توسوسون.

ثم إنه قد يتعرض للشبهات التي تشككه في عقيدته ودينه فيرجع حائراً متذبذباً كالريشة تميلها الريح في كل جانب وكم رجع من المسلمين لا سيما من شبابهم بعقائد وأفكار غير التي ذهبوا بها والله المستعان ولخطورة مساكنة المشركين ومعاشرتهم ومخالطتهم في بلادهم جاءت الأحاديث بالنهي عن ذلك أشد النهي قال صلى الله عليه وسلم ” أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين “

وعن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله)  رواهما أبو داود

وعن أعرابي معه كتاب كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه : ” إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله ” . أخرجه البيهقي  وأحمد بسند صحيح . وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران. لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين ” . وإسناده حسن

وإنما يباح السفر لبلاد الكفار للضرورة كالعلاج, والتجارة, وطلب العلم, حيث لا يوجد ذلك في بلاد المسلمين والضرورة تقدر بقدرها .

وبعض الناس يسافر إلى بلاد إسلامية ولكنها بلاد فتنة لشيوع التبرج والسفور وتيسر أسباب الفواحش فيها فهي في هذا تكاد تضاهي بلاد الكفار فالسفر إليها خطر عظيم حيث يعرض المرء نفسه لفتن لعله لا يصبر عنها،  فالسفر إليها قبيح غاية القبح وإذا كان السفر بصحبة الأهل فهو أعظم سوءاً وأقبح أثراً .

ومن الاستغلال السيئ للإجازة إضاعة أكثر اليوم في نوم ولهو, وحياة المسلم أغلى من ذلك. إنه لا بأس في إجمام النفس بل إجمامها وإراحتها أمر لازم لا بد منه لكن يكون بمقدار كالملح في الطعام فإنه إن  زاد أفسد مذاقه وإن خلا عنه فسد مذاقه أيضاً.

ومما يؤسف له ما يشاهد في الإجازة من إهمال كثير من الأسر لأبنائها مع أن شعور الفتى أو الفتاة بعدم الرقابة من الأسرة يجرئهم على فساد كثير, وهذا الإهمال من أهم أسباب ارتفاع نسبة الجرائم وكثرة نزلاء السجون ودور الأحداث في هذه المرحلة من العام.

وإذا اجتمع الشباب والفراغ وعدم الرقابة تولد من الفساد على الفرد والأسرة والمجتمع ما لا يعلمه إلا الله .

أما المراكز الصيفية فإذا كانت ستعمر أوقات أبنائنا بالعلوم النافعة الدينية والدنيوية والرياضات التي تبني الجسد وتبهج النفس فما أحسنها, أما إن كانت مراكز تمثيل وأناشيد وتربية حزبية توجه فيها عواطف أبنائنا ومشاعرهم وأفكارهم في الاتجاه الذي لا يتوافق مع منهج الكتاب والسنة ولا يتوافق مع مصلحة الوطن في وحدته واجتماعه فلا مرحباً بها ولا سهلاً .

عباد الله :

إن الوقت أغلى الكنوز وأثمنها عند العقلاء من كل أمة. والمسلم أولى الناس بالحفاظ على وقته وعمره لأنه يعلم أن الحياة مزرعة ويوم القيامة سيحصد الثمرة إن خيراً فخير, وإن شراً فشر , فاجعلوا العمر كله إجازته وعمله موسم تزود من الأعمال المثمرة التي تصلح بها دنيانا وأخرانا .

ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ بِدعة ضَلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يدَ الله عل الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائِهِ الرّاشدين  أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرضى عنا معهم بمنك وكرمك وجودك يا رب العالمين

اللهم من أراد المسلمين بسوء فأجعل كيده في نحره وأفسد عليه  أمره وشتت شمله واجعل كيده في نحره يا رب العالمين

اللهم إنا نسألك أن تصلح ولاة أمور المسلمين وتصلح بطانتهم يا رب العالمين

 ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *