جديد الإعلانات :

العنوان : التحذير من الغلو في الآثار وتتبعها

عدد الزيارات : 1868

أما  بعد:

فإن من محاسن الشريعة الإسلامية أنها إذا حرمت الشيء حرمت الأسباب المفضية إليه. فسدت الطرق وغلقت الأبواب حتى لا ينفذ أحد إلى الباطل إلا من خُذل.

ولما كان الشرك بالله أعظم المحرمات فقد اعتنت الشريعة بسد الطرق المفضية إليه أعظم من عنايتها بغيره لعظيم خطره إذ من مات عليه كان من أهل النار المخلدين فيها قال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار).

ولأن الشرك أبواب كثيرة وكثير منها يخفى على أكثر الناس فقد يقع فيه من لا يعلم أنه شرك بل يظنه قربة يتقرب بها إلى الله تعالى.

ولأن الشيطان أحرص ما يكون على إغواء بني آدم ولا يرضيه منهم كما يرضيه أن يخرجوا عن التوحيد إلى الإشراك بالله فيكونوا معه من الخالدين في السعير والعياذ بالله.

ولما كان تتبع آثار الأنبياء والصالحين من أسباب الشرك بالله فقد جاءت النصوص بحسم هذه المادة والمنع منها إذ أن من يتتبع آثار الصالحين قد يفضي به الحال إلى طلب البركة منها واعتقاده النفع والضر فيها وربما تطور الحال حتى تتخذ تلك الأماكن مزارات تقصد من كل حدب وصوب فتتخذ آلهة من دون الله تعالى وتقدس.

قال تعالى  وقالوا _ أي قوم نوح _ لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا

قال ابن عباس هذه (أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت) .

فهذا أول شرك وقع في بني آدم سببه الغلو في الصالحين حيث صوروا لهم تماثيل ونصبوها حيث كانوا يجلسون من أجل أن ينشطوا في العبادة إذا رأوها فلما مات الجيل الأول وخلف من بعدهم ذرية رأوا تلك التماثيل ولا يدرون ما قصتها أتاهم الشيطان فزين لهم عبادتها فعبدوها من دون الله والعياذ بالله. والله عز وجل إنما قص علينا خبرهم حتى نحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه فإنه ليس أحد في مأمن من الفتنة.

ولما رأى السامري أثر فرس جبريل تتبعه وأخذ منه قبضة فلما ألقاها في الحلي الذي والنار مشتعلة عليه أخرج لهم منه عجلاً له خوار ففتن بني إسرائيل وعبدوه من دون الله فصار بسبب ذلك فتنة عظيمة هذا وموسى وهارون بين أظهرهم ثم إن موسى حرق ذلك العجل ونسفه في اليم نسفاً حتى لا يبقى في نفوسهم شيء من التعلق به ودعا على السامري أن يقول يقول لا مساس أي لا يطيق أن يمسه أحد عقوبة له حيث مس ما لم يكن ينبغي له أن يمسه (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

وكان في أهل الطائف في الجاهلية رجل صالح يطعم الحجيج ويلت لهم السويق فلما مات بنوا على قبره وعكفوا عنده وأشركوا به مع الله تعالى وفيه نزل قوله سبحانه (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) أي أرأيتم عبادتها تنفع أو تضر أو تغني عنكم من الله شيئاً والجواب عن كل ذلك بالنفي.

ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين كان معه جماعة كبيرة ممن أسلم حديثاً لم يتفقهوا في الدين بعد فمروا على قوم من المشركين لهم سدرة يعكفون عندها ويعلقون عليها أسلحتهم تبركاً بها حتى لا يهزمهم عدوهم يسمونها ذات أنواط فقال أولئك للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا أي نحن المسلمين ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبحان الله هذا كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم.

رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح

 

فكانت عبادة المشركين لتلك الشجرة بالتعظيم والعكوف والتبرك. وهذا يدل على خفاء الشرك على كثير من الناس لا سيما مع تقادم العهد ونقص العلم وكثرة الدعاة إلى الباطل. فإن أولئك الذين طلبوا من الرسول أن يجعل لهم ذات أنواط ما أرادوا إلا الخير ولم يعلموا أن ما طلبوا هو الشرك أو هو وسيلة إليه وهو الذي بعث النبي صلى الله عليه وسلم لمحاربته وهو الأمر الذي خرج إلى حنين يقاتل من أجل القضاء عليه.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا قال أوف بنذرك.. رواه أبو داود وقال ابن تيمية على شرط الصحيحين.

فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر الإبل لله تعالى إذا كان المكان فيه وثن من أوثان الجاهلية ومن أوثانهم ما كان أصله آثار الصالحين سداً للذريعة وبعداً عن مشابهة أهل الشرك.

ولما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرض الموت أخبرته أم حبيبة وأم سلمة عن كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فقال صلى الله عليه وسلم إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة.

وقال قبل موته بخمس ليال ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك.

. ولم يكتف بذلك بل إنه في غمرات الموت وسكراته كان يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قال الراوي يحذر ما صنعوا. وقالت عائشة لولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً. وهذا من كمال نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وكمال حرصه عليهم أن تتفرق بهم السبل وذلك بالغلو في آثار الصالحين ولو كان القبر قبره وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام. لقد خشي على أمته أن تتخذ قبره مسجداً فتعبده من دون الله فيقعوا في مثل ما وقع فيه من كان قبلهم. فأوصى عند موته بالتحذير من ذلك غاية التحذير ولم يمنعه ما يلقى من سكرات الموت أن يذر عن أسباب الشرك والهلاك ولم تذهله عنه.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شد الرحال أي عن السفر إلى بقعة من البقاع بقصد العبادة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى .

فهذه النصوص وما جاء في معناها كلها تقتضي تحريم الغلو في آثار الصالحين وتتبعها والسفر إليها والاعتقاد فيها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…

الخطبة الثانية

أما بعد:

فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أعلم الناس بالدين وأحسنهم اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وكانوا أحرص الناس على الخير.

ومن تتبع سيرتهم وجد أنهم كانوا أبعد الناس عن تتبع آثار الصالحين بل كانوا على الضد من ذلك ينهون عنه ويتخذون التدابير التي تقطع الفتن في مهدها.

فلم ينقل عنهم أنهم كانوا يتتبعون الأماكن التي جلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى فيها بدون قصد ولا تحرٍ ولم ينقل عنهم أنهم صعدوا إلى غار حراء أو غار ثور أو أن من بعدهم حفظ آثار ابي بكر أو عمر أو عثمان أو علي وسادات المهاجرين والأنصار كل ذلك لم يفعلوه ولم يرفعوا به رأساً لرسوخ علمهم وعظيم فقههم وإدراكهم أن الله عز وجل لم يتعبدهم بذلك بل نهاهم عنه لما يفضي إليه من فساد العقيدة.

وما وجد من آحادهم ما يخالف ذلك الأصل بادروا إلى الإنكار على فاعله فقد قطع عمر شجرة الحديبية لما صار بعض الناس يقصدها للصلاة عندها.

وقال المعرور بن سويد: « خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة ، فلما أصبحنا صلى بنا الغداة ، ثم رأى الناس يذهبون مذهبا فقال : أين يذهب هؤلاء ؟ قيل : يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هم يأتون يصلون فيه ، فقال : » إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا ، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعا ، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل ، ومن لا فليمض).

وقال ابن وضاح (كان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المسا وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ما عدا قباء وأحد) أي لا بأس بزيارة شهداء أحد للدعاء لهم والسلام عليهم وإتيان مسجد قباء للصلاة فيه لترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

ولا زال علماء السنة والحمد لله ينكرون كل من يدعو إلى إحياء هذه الآثار بقصد القربة أو السياحة أو غيرها من المعاذير الواهية فعليكم بلزوم هذا السبيل الواضح وإياكم والإصغاء لدعاة البدع والشرك والضلالة والخرافة.

ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم… الخ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *