اسم الله تعالى (الفَتّاح). مكانة المساجد والمحافظة عليها. التحذير من الغيبة والنميمة التحذير من جهلة مفسري الأحلام تعظيم شأن الجمعة والتذكير ببعض أحكامها. النهي عن التسول والحث على بذل الصدقات للمستحقين جهود وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة الإرشاد تسر كل مؤمن

العنوان : التحذير من المظاهرات ومنازعة الأمر أهله

عدد الزيارات : 3120

أما بعد:

فإن من القضايا التي أشغلت الناس في هذه الأيام وأخذت متابعتها كثيرا من أوقاتهم ومجالسهم ما يتعلق بثورة الشعوب على الحكومات من خلال المظاهرات والاحتجاجات.

ولما كانت هذه القضية من أخطر القضايا المعاصرة كان على المسلم أن يعلم الحكم الشرعي في مسالة علاقة المحكوم بالحاكم وكيفية التعامل مع أخطائه حتى يعبد ربه على بصيرة ومساهمة في إيضاح هذه القضية اذكر نفسي وإياكم بما يلي:

أولاً: إن من أصول أهل السنة والجماعة وعقيدتهم أنهم يرون السمع والطاعة لأولي الأمر في غير معصية الله لقول الله تعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم)  وأن هذه الطاعة واجبة له حتى لو كان في نفسه فاسقاً فاجراً وفي سياسته ظالما جائرا ما دام أنه في دائرة الإسلام لم يخرج منها بالكفر البواح وذلك لما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ على أصحابه البيعة أن يسمعوا ويطيعوا لأولي الأمر في المنشط والمكره واليسر والعسر وعلى أثرة عليهم وأن لا ينازعوا الأمر أهله ما لم يروا كفروا بواحا وفي صحيح مسلم (تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضربَ ظَهْركَ وَأخذَ مَالكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ)

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمراء يمنعون الرعية حقوقهم أي كيف يكون التعامل معهم فقال (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم (إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ) رواه البخاري.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ستكون أمراء يستأثرون على الرعية بالحظوظ الدنيوية ثم أمر بالصبر على جورهم وظلمهم حتى يلاقوه على الحوض.

وهذه الأحاديث الصحيحة يتلقاها أهل السنة والقلوب المطمئنة وأهل التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بصدور منشرحة لا يعترضون عليها بارئاهم ولا بعقولهم ولا بثقافاتهم لا يقولن إن هذا المنهج يربي على الذل والهوان والخنوع ولا يقولون إن هذا المنهج يجرئ الحكام على المزيد من الظلم ولا يقولون إن الشعوب الفلانية أخذت حقها بالقوة فنجحت وتطورت وترقت ..

بل يقولون كما أدبهم ربهم في قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) [الأحزاب : 36]

وفي قوله تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)  [النساء : 65]

إن المؤمن الصادق هو الذي يسلم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فإن أدرك الحكمة من الحكم زاده ذلك طمأنيينه وإن لم يدرك الحكمة فإنه على يقين أنه لا حكم أحسن من حكم الله ولا أعدل ولا ارحم منه (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)

أما اهل الأهواء فلا يقبلون من النصوص والشرع إلا ما وافق أهواءهم وأما ما يخالفها فيردونها بانواع الشبه والاعتراضات والعياذ بالله.

ثانياً: لقد أمر الشرع ببذل النصح للحاكم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فالحاكم يخطيء ويجهل ويقصر جهلاً أو عمداً ومن حقه على رعيته أن تنصح له وأن تبصره بمواقع الخلل في دولته وسياسته ولكن بالطريقة الشرعية التي تقوم على الخفاء والإسرار لا  بالتشهير والإعلان كما في حديث (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية).

ومقام النصح للحاكم بين يديه لا من وراء ظهره وبقصد  النصح لا بقصد منازعته للحكم من افضل الجهاد وفيه يقول صلى الله عليه وسلم (افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواه أبو داود وغيره.

فإن قبل الحاكم النصيحة فالحمد لله وإن لم يقبلها كان الناصح قد أدى الذي عليه ووقع أجره على الله إن كان صادقا مخلصا لله ومن ظلم واساء فله رب يحاسبه ويجازيه.

وبهذا المنهج نجمع بين مصلحتين الأولى تبرئ الذمة ببذل النصح والثانية السلامة من اسباب الفتن التي تنشأ عن الإنكار العلني لأن الإنكار العلني يفضي إلى الاختلاف والشقاق والنزاع بين الراعي والرعية.

نسأل الله أن يديم أمننا واجتماع كلمتنا وأن يلح أحوال المسلمين في كل مكان أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد:

فقد سمعنا في الخطبة الأولى التوجيهات النبوية في طريقة الإصلاح ومن هنا ندرك أن اتخاذ اسلوب العنف في الاعتراض على الحكام من خلال الاحتجاجات العلنية المسيرات والمظاهرات أنه اسلوب غير مشروع وذلك لأسباب كثيرة:

منها أنه أسلوب لم يأمر به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سبق إليه السلف الصالح وما كان هذا صفته فلا يكون خيرا

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا الطريقة الشرعية لمناصحة الحاكم واستصلاحه ولم يذكر لنا هذا الأسلوب فدل على أنه عمل غير مشروع.

ثالثا: أن هذا الأسلوب من أساليب الإنكار مأخوذ عن النصارى وأمثالهم فليس هو من طرق المسلمين وفي الحديث (ومن تشبه بقوم فهو منهم)

رابعاً: أن المظاهرات يصحبها عدد إضافي من المنكرات كما هو مشاهد في وسائل الإعلام من السب واللعن والصياح والتدمير والإفساد والتحريق واختلاط اجساد الرجال بالنساء، ثم ايضا قد يسقط فيها عدد من القتلى والجرحى والمصابين إلى غير ذلك مما يطول وصفه ولايخفى على أكثركم.

خامساً: أن هذه المظاهرات غالبا ما تكون وراءها جهات خفية تحرك العوام والرعاع تحتى شعار الفقر والبطالة ونحوها وكل القصد أن يتسلقوا على ظهورهم إلى تحقيق ماربهم ولذا لا تجد في كثير من هذه المظاهرات نفعا يذكر لا بإحقاق حق ولا بإبطال باطل ولا ظفرٍ بمطلوب ولا تخلصٍ من مرهوب. div>

ولهذه المفاسد وغيرها حذر أئمة السنة منها كالشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله وغيرهم من أهل العلم المعاصرين كسماحة المفتي والشيخ صالح بن فوزان وغيرهم.

ولم نسمع أحدا يؤيدها ويطبل لها إلا عددا من دعاة الفتن المتأثرين بالمناهج الحركية التي لا تسعى إلا إلى الوصول إلى الحكم بأي طريق ممكن، لذا لا تسمع في تأييدهم لها اية محكمة ولا سنة ثابتة ولا منهاج سلف صالح، فاحذروهم ولا تغتروا بشبهاتهم.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *