العنوان : التواضع، وخطر الكبر
أما بعد:
فإن التواضع من الأخلاق الإسلامية الفاضلة هو خلق شريف يمن الله به على من يشاء من عباده فيزدادون به رفعة عند الخلق، ورفعة عند الخالق إذا أخلصوا النية لله، والتواضع يكون لله عز وجل بأن يعبده وحده ويعترف بنعمه والائه وأفضاله فما من نعمة دقت أو جلت إلا وهي منه سبحانه وتعالى: نعمة الصحة والعافية نعمة المال والولد نعمة العلم والإيمان والعمل الصالح كل ذلك من الله تعالى فإذا آمن العبد بهذه الحقيقة واعترف بها وأقر بها أورثته التواضع لربه والخضوع لجلاله فلا يطغى ولا يتكبر ولا يجحد ولا يبطر.
لقد ذكّر الله عباده بأن هذه النعم هي من عنده سبحانه حتى يشكروه ويوحدوه ويعبدوه فقال تعالى (وما بكم من نعمة فمن الله ) وقال تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) وقال لنبيه (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً)
أما المتكبر فتطغيه النعم وتحمله على الفسوق والعصيان والجحود والكفران (إن الإنسان ليطغى أن رأه استغنى) فلا تكن كذلك يا عبد الله ولكن كن كأسوتك وقدوتك محمد صلى الله عليه وسلم حين حملته نعم الله عليه على أن يجتهد في العبادة ويقول (أفلا أكون عبداً شكورا) كن كذلك الرسول الكريم الذي قال لما رأى تَوالي نعم الله عليه (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر)
ومن التواضع التواضع لعموم المؤمنين الذين أمنوا بالله وأخلصوا دينهم لله هذه صفة المؤمن الصادق قال تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وقال تعالى في صفة المؤمنين (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) و بهذا أدب الله نبيه وإلى هذا أرشده وهو إرشاد للأمة كلها فقال تعالى (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) وعاتبه ربه عن أعرض عن بعض ضعفة المسلمين فقال تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ..) وقال تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه ولا تعد عيناك عنهم تريد زهرة الحياة الدنيا)
وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، يبغي أحد على أحد) وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره).
فالمؤمن يتواضع لإخوانه من المؤمنين ولو كانوا فقراء ضعفاء يواسي مكروبهم ويغيث ملهوفهم ويبتسم في وجوههم ، ويحب لهم ما يحب لنفسه لأنهم أخوته في الدين ولو لم تجمعهم قرابة ولا لسان ولا وطن.
إن من أفات بعضنا احتقارَ كثير من الجنسيات والأعراق لا لشيء إلا للجنس أو اللون أو الفقر والحاجة
ومن آفات بعضنا العصبية القبلية والبلدية التي تحمل على الظلم والبغي والإثم والعداون والسخرية والاستهزاء لمن لم يكن منا فهل نتعظ بمواعظ القرآن ونزدجرُ بها ونطهرُ أنفسنا من هذه الأدران المؤذية والأمراض المردية.
ومن التواضعِ التواضعُ لكبير السن، التواضعُ لذي الشيبة المسلم فإجلاله من إجلال الله وتوقيره واحترامه من الامتثال لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فله فضل السبق إلى الإسلام، والطاعة والخير. وله فضل قضاء العمر المديد في العمل الصالح وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم)
ومن التواضع التواضع للوالدين كما قال تعالى (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)
إن فضلهما عليك كبير ومهما فعلت لهما من صور البر والإحسان فلن تبلغ مكافأتهما إلا أن تعتقهما من رق.
تواضع لوالديك ولو كنت أغزر منهما علماً وأوسع ثقافة وأكبر شهادة وأعلى منصباً وأكثر رصيداً وأموالاً فأنت ولد وهما الوالد
ومن التواضع المحمود شرعاً تواضع العالم والداعي والآمر بالمعروف الناهي عن المنكر والمعلم لمن ينصحون له ويوجهونه ويعلمونه ويتعاملون معه فتواضعهم تطبيق عملي لأداب الإسلام وذلك أبلغ في التأثير من الكلام المجرد الذي لا يصدقه العمل ولاالخلق ولا السلوك.
ومن التواضع تواضع ولي الأمر لرعيته ورفقه بهم وتلمسه حاجاتهم فذلك مما يزيد في الألفة والصلة بين الحاكم والمحكوم
فتواضع يا عبد الله وتذكر أن التواضع لا يزيدك إلا رفعة وعلوَّ مكانة نسأل الله أن يزيننا بمحاسن الأخلاق وأن يصرف عنا سيئ الأخلاق إنه سميع مجيب
أما بعد:
فإذا كان التواضع محمودا مطلوباً فإن الكبر من أخبث الصفات وأسوء الأخلاق.
الكبر يعني احتقار الغير لما ترى في نفسك من الفضيلة عليه وبماذا تفخر أيه الإنسان أبالنسب فكلنا لأدم وأدم من تراب ابالمال فالمال مال الله يعطيه من يشاء ويحرمه من يشاء ويسلبه من يشاء ابالعلم والعمل فذلك توفيق من الله وفضل منه. ثم إنه لن يَدخل العبدُ الجنةَ بعمله _ مع ضرورة الإيمان والعمل الصالح _ ولكن بفضل الله وبرحمته فأعمالنا لا تكافي نعم الله علينا.
ومن الكبر رد الحق وعدم الخضوع له بعدما تبين.
إن الكبر أفة رديئة بسببها خسر إبليس واستحق لعنة الله إلى يوم الدين وبسبب الكبر حرم كثير من المشركين واليهود وغيرهم قبولَ الإسلام، لقد عظُم عليهم وكَبُر أن يخضعوا لدين الله وأن يعترفوا بأنهم على الضلال والباطل.
إخوة الإيمان : إن خطر الكبر يتمثل في أجلى صوره في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) اللهم إنا نسألك التواضع ونعوذ بك من الكبر.