جديد الإعلانات :

العنوان : التيسير في الإسلام

عدد الزيارات : 6035

 

أما بعد..

إن من محاسن الدين الإسلامي أنه دين يسر لاحرج فيه ولا مشقة فأحكامه ميسورة لا تخرج عن الطاقة المعتادة فهذه الأركان الخمسة التي هي دعائم الإسلام وأساسه لامشقة فيها فضلا عما سواها فالشهادتان نطق باللسان مع اعتقاد القلب والصلوات الخمس التى هي عمود الاسلام والتى هي صلة بين العبد وربه يرفع الله بها الدرجات ويحط بها السيئات كما أنها سبب لصلاح حال العبد في عاجل أمره وآجله لا كلفة فيها ولا مشقة يطيقها الصبي والمرأة والشيخ الكبير.

وهذه الزكاة المفروضة نصيب قليل من مال كثير يضاعفها الله أضعافا كثيرة ويحفظ بها المال ويبارك فيه ويطهر صاحبها من ذنوبه وسيئاته ويدفع بها عنه السوء الحسي والمعنوي.

وهذا الصيام شهر واحد في العام من طلوع الفجر إلى المغرب ثم يتمتع المسلم بما أباح الله له من مأكل ومشرب وشهوة جعله الله وقاية من النار وسبباً للتقوى وتطهيراً للقلب وتزكية للروح وعافية للبدن.

وهذا الحج إلى البيت الحرام لايجب في العمر إلا مرة واحده للمستطيع وإذا أحسن الحاج أداءه رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإذا كان الحج مبروراً فليس له جزاء إلا الجنة وفيه من المصالح الدينية والدنيوية مالا يعلمه الا الله.

فهذه أصول العبادات الظاهرة والباطنة والبدنية والمالية والفعلية والتركية وكلها يسر والحمد الله لا أغلال فيها ولا آصار ولا تلحق المكلف مشقة خارجة عن المعتاد ولكن قد تثقل على بعض النفوس لما خالطها من النفاق أو الهوى أو الجهل كما قال الله تعالى عن الصلاة (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)

ومن رحمته الله تعالى انه إذا طرأت مشقة زائدة عن المعتاد زادت العبادة تيسيرا وتسهيلا كما قال تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وكما قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وكما قال صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فاتوا منة ما استطعتم) ولكن التيسير يجب أن يكون مبنياً على الدليل الشرعي المعتبر لا أن ينطلق من منطلق الهوى والرغبة الجامحة في التخفيف عن الناس ولو بتتبع الرخص وأخطاء أهل العلم وزلاتهم وأقوالهم التي لادليل عليها فمن الناس من ينظر في المسألة ثم إذا وجد قولاً لعالم يناسب العصر _كما يزعم_ أفتى به ولو كان يخالف كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله علية وسلم وهذا منزلق خطير أبيحت به المحرمات وتركت به الواجبات وغيرت به معالم العبادات فليس معنى التيسير تطويع الشريعة لتوافق رغبات الناس ولكن التيسير المعتبر هو الذي يتمشى مع الأدلة الشرعية المعتبرة..

وللتيسير في الشريعة أمثلة كثيرة ومنها :

أولاً:

التيسير في الوضوء فقد فرض الله علينا الوضوء للصلاة وهو عبادة يسيرة سهلة تشتمل على غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين .. ولكنها تزداد يسراً وسهولة في حالات فأباح الشرع المسح على الخفين والجوربين إذا لبستا على طهارة يوماً وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر في الطهارة من الحدث الأصغر. كما أذن في المسح على الجبيرة ما دام المريض محتاجا إليها..

وإذا عجز المسلم عن استعمال الماء للوضوء بسبب حاجته إليه أو مرضه أو فقده انتقل إلى التيمم وهو أن يضرب الصعيد الطاهر بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه ثم يمسح كفيه ولا يزال يتيمم عن الوضوء و الغسل حتى يقدر على استعمال الماء..

وإذا عجز عن استعمال الماء وعن التيمم صلى على حالته التي هو عليها وصلاته صحيحة مقبولة..

ومن كان حدثه دائما كمن به سلس بول أوريح أو كانت مستحاضة توضأ عند دخول وقت الصلاة وصلى الفريضة والنوافل حتى يدخل وقت الفريضة التالية ولا يضره ما خرج منه بعد وضوئه تخفيفا وتيسيرا والحمد الله ..

ثانيا:

من صور التيسير في الصلاة الإذن للمريض أن يصلى قاعدا إذا كان في القيام مشقة ظاهرة علية .. وأن يصلى على جنبه إذا كان في القعود مشقة ظاهرة علية وان يصلى مستلقيا على ظهره إذا كان في صلاته قاعداً مشقة ظاهرة علية..وإذا صلى قاعدا أو على جنب أومأ برأسه إلى الركوع أو السجود ..ويكون سجوده أخفض من ركوعه.. وإذا صلى المسلم قاعداً أو على جنب أو مستلقيا في الفريضة بعذر شرعي فأجره كامل لأنه لم يدع الواجب إلا بعذر شرعي.

ومنها الإذن للمتنفل أن يصلي قاعداً ولو كان صحيحاً سليماً ولكن أجره على النصف من أجر القائم.

ومن صور التيسير في الصلاة الترخيص للمسافر أن يصلى الفريضة على وسيلة سفرة إذا كان النزول يشق عليه كالوحل في الأرض أو الخوف أو عند خشية فوات الرفقة ونحو ذلك من الأعذار فيصلي على حاله ولو قاعداً ولو إلى غير القبلة

ومتى قدر على القيام واستقبال القبلة وجب عليه لقولة تعالى فاتقوا الله ما استطعتم ومنها الإذن للمسافر إن يصلى النافلة على راحلته مطلقاً ولو إلى غير القبله ولو كان قادراً على النزول لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولان النافلة مبناها على التخفيف ترغيباً في الاستكثار منها.

ومن صور التيسير في الصلاة مشروعية قصر الرباعية في السفر فتصلى ركعتين ويبتدئ القصر إذا جاوز البلدة وكان السفر مسافة قصر وهو مسيرة يوم وليلة و يعادل ثمانين كيلومتراً تقريبا. وأما الفجر والمغرب فلا قصر فيهما.

ومن صور التيسير في الصلاة الإذن للمسافر بالجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأرفق به كما جمع النبي صلى الله علية وسلم بين الظهر والعصر في عرفة جمع تقديم ليتصل وقت الدعاء والذكر. وجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة جمع تأخير ليتصل السير.. كما يباح الجمع للمريض إذا شق علية أداء كل صلاة في وقتها..وكذلك الشيخ الكبير إذا شق عليه فهو في حكم المريض..

وأما في المطر والوحل والبرد الشديد في الليلة الظلماء فيباح فيه الجمع بين المغرب والعشاء دفعاً للحرج والمشقة والقول الآخر لأهل العلم يباح الجمع في المطر حتى بين الظهر والعصر.

فهذه نماذج من التيسير في العبادات. نسأل الله أن يوزعنا شكر نعمته وأن يرزقنا اتباع نبيه والتمسك بسنته أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إن هو الغفور لرحيم.

الخطبة الثانية ..

أما بعد:

فان التيسير من محاسن الشريعة الإسلامية السمحة ولكن يجب الحذر من استغلال هذا المصطلح للتحلل من أحكام الشريعة والتمرد على تعاليمها والعياذ بالله إنه يوجد اليوم من يبيح الغناء والتبرج والاختلاط باسم التيسير. ويوجد من يبيح الربا باسم التيسير. ويوجد من يبيح مؤاخاة الكفار ومحبتهم باسم التيسير. ويوجد من يدعو إلى مخالطة أهل البدع ومصافاتهم ومصاحبتهم باسم التيسير. ويوجد من يدعو إلى ترك كثير من مناسك الحج والتساهل فيها باسم التيسير..

ويوجد من يدعو إلى التلاعب بالصيام والتحايل عليه باسم التيسير إلى غير ذلك من المزالق الخطيرة..والتي تؤدي في آخر المطاف إلى ضياع معالم الشريعة وترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله علية وسلم فالحذر الحذر يا إخوة الإسلام.

ومن التطبيقات السيئة للتيسير أن بعض ألائمة بحمع بين الصلاتين بدون عذر ظاهر وإنما لمجرد وجود الغيم أو نزول رذاذ يسير لا يبل الثياب ولا تلحق به مشقة. وهذا غلط كبير ومن فعل ذلك فعليه إعادة الصلاة المجموعة جمع تقديم لأنه صلاها قبل دخول وقتها بدون عذر شرعي..

وبعض جماعة المسجد قد يحملون الأمام على الوقوع في هذا المنكر .حيث يطالبون الإمام بالجمع ويلحون عليه مع عدم وجود العذر وهذا غلط منهم ولا يجوز له مطاوعتهم ..فالجمع رخصة إذا وجد سببها وإذا لم يوجد السبب كان الجمع حراما والخطأ في ترك الجمع أفضل من الخطأ في فعله فلا يكن همّ المسلم فعل الأخف بل ليكن همه موافقة الشريعة في الرخصة والعزيمة.

ثم اعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم… الخ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *