جديد الإعلانات :

العنوان : الحث على التلاوة والقيام في رمضان

عدد الزيارات : 5718

(الخطبة الأولى)

أما بعد :

إن شهر رمضان موسم عظيم من مواسم الطاعة حيث تضاعف فيه الحسنات وتفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتصفد فيه مردة الشياطين وتتهيأ النفوس للعبادة وتنشط فيها أكثر ما يكون في غيره وإن من أحسن ما يستغل به المسلم وقته في شهر رمضان المبارك من نوافل العبادات تلاوة القرآن فلتلاوته في هذا الشهر مزية خاصة  حيث ابتدأ الله إنزال القرآن في شهر رمضان قال تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان }

وقد كثر الترغيب في الكتاب والسنة في تلاوة القرآن الكريم فمما جاء في فضل تلاوته قوله تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور }

ومعنى قوله تعالى { يرجون تجارة لن تبور } أي يرجون ثواباً عند الله لابد من حصوله . وكان مطرف إذا قرأ هذه الآية قال هذه آية القراء وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبي قال ” مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ” الحديث .

وفي صحيح مسلم عن أبي أمامة عن النبي قال ” اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ” .

وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة عن النبي قال ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده “

فاجتهدوا عباد الله في كثرة قراءة القرآن المبارك لاسيما في هذا الشهر الذي أنزل فيه, فإن لكثرة القراءة فيه مزية خاصة , كان جبريل يعارض النبي القرآن في رمضان كل سنة مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه مرتين تأكيداً وتثبيتاً .

وكان السلف الصالح يكثرون من تلاوة القرآن في رمضان في الصلاة وخارج الصلاة. كان الزهري يقول إذا دخل رمضان إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

وكان مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالس العلم وأقبل على قراءة القرآن من المصحف, وكان جماعة من السلف يختمون القرآن في شهر رمضان مرات عديدة فاقتدوا بهم في الإقبال على تلاوة القرآن الكريم وتدبره.

وللتلاوة آداب كثيرة منها :

إخلاص النية لله تعالى فيها قال الله تعالى { فادعوا الله مخلصين له الدين } والتلاوة من أجل العبادات وأفضل القربات .

وقال عليه الصلاة والسلام ” اقرؤوا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه ” رواه أحمد ومعنى يتعجلونه أي يتلونه يطلبون به أجر الدنيا .

ومن آدابها أن يقرأ بقلب حاضر يتدبر ما يقرأ ويتفهم معانيه ويخشع عند ذلك قلبه ويستحضر بأن الله يخاطبه لأن القرآن كلام الله عز وجل.

ومن آدابها أن يقرأ القرآن على طهارة لأنه من تعظيم كلام الله عز وجل ولا يقرأ القرآن وهو جنب حتى يغتسل أو يتيمم إن عجز عن استعمال الماء للنصوص الواردة في هذا.

ومن آدابها الابتداء بالاستعاذة لقوله تعالى (فإذا قرأت القرآن – أي أردت أن تقرأ القرآن – فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)

وأما البسملة فيبسمل أول كل سورة إلا في سورة التوبة.

ومن آدابها أن يحسن صوته بالقرآن ويترنم به، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما أذن الله لشيء _ أي ما استمع_ كما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).

وإذا كان معك أحد حيث تقرأ فلا تجهر بالقرآن جهراً يشوش عليه قراءته أو صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) رواه مالك وصححه ابن عبد البر.

ومن آدابها أن يرتل القرآن ترتيلاً لقوله تعالى (ورتل القرآن ترتيلاً) فيقرأ بتمهل دون سرعة لأن ذلك أعون على تدبر معانيه، وتقويم حروفه وألفاظه، وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كانت مداً ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وسئلت أم سلمة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت كان يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الحمن الرحيم مالك يوم الدين رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

وقال ابن مسعود: لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. ولا بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ فإن كانت السرعة تؤدي إلى الإخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن .

ومن آدابها السجود إذا مر بآية سجدة فيكبر ويسجد ويقول سبحان ربي الأعلى ويدعو ثم يرفع رأسه بدون تكبير إلا إذا كان في الصلاة فيكبر لسجوده ولرفعه منه للأحاديث.

فاجتهدوا عباد الله في تلاوة القرآن  لا سيما في هذا الشهر الكريم. اللهم وفقنا لتلاوة كتابك على الوجه الذي يرضيك عنا برحمتك يا أرحم الراحمين. بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم

(الخطبة الثانية)

أما بعد:

و من أحسن ما يتقرب به المسلم إلى ربه في هذا الشهر من نوافل الطاعة قيام الليل، وقيام الليل مشروع في العام كله، قال تعالى يمدح أهل قيام الليل (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) وقال تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).

وقال صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم في خصوص قيام رمضان (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ومعنى قوله (إيماناً) أي إيماناً بالله وبما أعده من الثواب للقائمين. ومعنى قوله (احتساباً) أي طلباً لثواب الله لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعة ولا طلب مال ولا جاه.

ومن قيام الليل صلاة التراويح فينبغي للمسلم أن يعتني بها ويواظب عليها الشهر كله. والنبي صلى الله عليه وسلم هو أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ثم تركها خوفاً من أن تفرض على أمته وأحيا عمر هذه السنة الجليلة ولا يزال المسلمون على ذلك.

وكان السلف يطيلون التراويح جداً ففي حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال (كان القارئ يقرأ بالمئين _ يعني بمئات الآيات _ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام).

والسنة في قيام الليل أن تصلى ركعتين ركعتين. لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى) والسنة أن يصليها إحدى عشرة ركعة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العدد. ولأمر عمر به الإمامين اللذين عينهما في صلاة التراويح ولو زاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل مثنى مثنى)  ولما ثبت أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على ثلاث وعشرين ركعة  فدل على أن الأمر فيه سعة والحمد لله. فلا ينبغي ترك الصلاة مع الأئمة إذا زادوا على إحدى عشرة ركعة.

وينبغي للمسلم أن يقوم مع الإمام حتى يفرغ  لقول النبي صلى الله عليه وسلم  (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) رواه أهل السنن بسند صحيح.

ويجوز للنساء حضور التراويح في المساجد أذا أمنت الفتنة منهن وبهن  لقول النبي صلى الله عليه وسلم  (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ولأن هذا من عمل السلف الصالح. لكن يجب أن تأتي متحجبة متسترة غير متبرجة ولا متطيبة ولا مبدية زينة. والسنة للنساء أن يتأخرن عن الرجال ويبدأن بالصف المؤخر عكس الرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) رواه مسلم. وهذا إذا كن يصلين وراء الرجال دون ستر. فإذا كان بينهن وبين الرجال ستر فحكم صفوفهن حكم صفوف الرجال.

والسنة أن ينصرف النساء فور تسليم الرجال ولا يتأخرن إلا لعذر، وأن يتأخر الرجال قليلاً. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضيَ تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقوم. قالت : نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال) رواه البخاري.

فليراع الرجال هذا الهدي النبوي.

ومن أحسن ما يعنى به المسلم في هذا الشهر الحرص على تفطير الصوام و سحورهم ومواساتهم وإعانتهم على كل خير وتحمل أذاهم وكف الأذى عنهم وبذل المستطاع لهم من وجوه الإحسان ابتغاء وجه الله وطمعاً في واسع مغفرته وعظيم إحسانه وفي الحديث (من فطر صائماً فله مثل أجره).

ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم  …

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *