العنوان : الحث على الصوم في شعبان والتحذير من بدعة الاحتفال بليلة المعراج (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وقدموا لأنفسكم ما يسركم رؤيته في صحائف أعمالكم يوم القيامة حين تنشر الصحف فينقسم الخلق إلى فريقين. منهم سعيد آخذ كتابه بيمينه ومنهم شقي آخذ كتابه بشماله من وراء ظهره {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا}
وإن الفرصة المتاحة لتعبئة هذه الصحف بالأعمال الصالحة إنما هي هذه الحياة الدنيا وما أقصرها وما أسرع تقضيها. فلا تضيعوا الأعوام بل لا تضيعوا الأيام بل لا تضيعوا اللحظات. فمهما أمكنك يا عبد الله أن تعمر لحظتك التي أنت فيها بكلمة طيبة أو عمل صالح أو كف عن باطل فافعل وبادر. واحترس من ضياع الأوقات وحاذر.
عباد الله:
إنكم بين يدي شهر شعبان. وشهرُ شعبان بين يدي شهر رمضان شهرِ الصيام ورابع أركان الإسلام لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شهر شعبان حتى يكاد أن يصومه كله فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فأكثروا من الصيام في شعبان تنالوا بذلك فضيلة الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتستعينوا بذلك على صوم رمضان فلا يثقل عليكم صيامه، كما أن شهر شعبان شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يرفع عمله وهو صائم. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : “قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» رواه النسائي.
كما تنالوا بذلك أجر صيام النافلة والصوم من أجل الأعمال وأحبها إلى الله وأكثرها ثواباً وأعظمها فضلا.
كما أن شهر شعبان هو آخر الفرص لمن كان عليه قضاء من رمضان الفائت إذ لا يجوز لمن كان عليه قضاء أن يدخل عليه رمضان قبل أن يقضي ما عليه إلا من اتصل عذره وعجزه. تقول عائشة رضي الله عنها «إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لَتُفْطِرُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ» رواه مسلم. فليبادر من عليه قضاء من الرجال والنساء إلى القضاء قبل دخول رمضان عليه وليدع التأخير والتسويف. ومن سوّف حتى دخل عليه رمضان بلا عذر قضى بعد ذلك وأطعم عن كل يوم مسكيناً.
اللهم فقهنا في دينك واستعملنا في طاعتك، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واستمسكوا بالكتاب والسنة واجتنبوا سبل البدع والمذمة، وإن من البدع المنتشرة الاحتفالَ بليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب. وقد نص علماء المسلمين أنه لا دليل على تعيين ليلة الإسراء والمعراج، بل لم يزل العلماء مختلفين في تعيين عامها وشهرها فضلاً عن ليلتها. ولو فرض أن ليلة الإسراء معروفة بالدليل القاطع فأين الدليل على مشروعية الاحتفال بها، والاحتفالُ بها لم يؤمر به أمر وجوب ولا استحباب في كتاب ولا سنة ولم يؤثر في سنة قوليه ولا عملية ولم يؤثر عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف يحدث المسلم عيداً أواحتفالاً يتقرب إلى الله به والله لم يشرعه. إن العبادة إذا لم تكن مشروعة فهي بدعة في الدين والبدع لا يثاب عليها العبد بل يستحق عليها العذاب الأليم والوعيد الشديد.
فيا أيها المسلم الحريص على دينه: اتبع الدليل من الكتاب والسنة ولا تتبع العادات ولا تلتفت إلى فعل أكثر الناس فمصدر الحق كتاب الله وسنة رسول الله وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فعلى هذا الميزان العدل توزن الأقوال والأعمال.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم التمسك بالسنن واجتناب البدع والسلامة من مضلات الفتن. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمن أوطاننا وأصلح سلطاننا، اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا. اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}. {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}