العنوان : الحث على تسديد الديون، وما يشرع من الأدعية لقضائها
الخطبة الأولى:
أما بعد :-
فإن حقوق العباد من أغلظ الحقوق فمن مات وفي ذمته حق لأخيه اقتص منه في عرصات القيامة، ومن تلك الحقوق شغل الذمة بالاستدانة من الناس فرداً أو مؤسسة أو حكومة، فمن استلف شيئاً فليستلف وهو عازم على الأداء ولا يتساهل في شانه.
ومما شاع اليوم وانتشر وسبب كثيراً من المشكلات والخصومات والجرائم وقطعِ الأرحام التساهل في تسديد الديون والتهرب من أهلها ومماطلتهم فيها. ولا شك أن هذا منكر عظيم وجرم كبير يعرض صاحبة للهلكة إذا كان قادراً على السداد.
ولإيضاح الأمر أكثر فإن عدم قضاء الدين له حالتان :-
الأولى : أن يكون المسلم عازماً على سداد الدين حريصاً عليه والله يعلم من قلبه ونيته أنه ما أخذ الدين إلا وهو يريد الوفاء والأداء
فهذا سيجعل الله له فرجاً ومخرجاً إما أن يوفي عنه دينه في الدنيا وإما أن يرضى عنه غريمه يوم القيامة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه .ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ) رواه البخاري وعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حمل من أمتي ديناً ثم جهد في قضائه ثم مات قبل أن يقضيه فأنا وليه” رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. الحالة الثانية :- أن يستدين وهو عازم على عدم السداد أو يترك الوفاء بالدين وهو قادر على السداد تهاوناً بشأنه فهذا الآثم المتوعد كما في الحديث السابق وكما في حديث صهيب الخير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل تدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه لقي الله سارقا رواه ابن ماجه
إن المسلم إذا مات وعلية حقوق للناس كان الوفاء يوم القيامة من الحسنات والسيئات فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات وعليه دينار أو درهم قضي من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم . رواه ابن ماجه بإسناد حسن
وعن محمد بن جحش قال : كنا جلوساً عند النبي فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع يده على جبهته ثم قال : سبحان الله ماذا نزل من التشديد فسكتنا وفزعنا . فلما كان من الغد سألته : يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل ! فقال : والذي نفسي بيدي لو أن رجلاَ قتل في سبيل الله ثم أُحي ثم قتل ثم أحي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه أخرجه النسائي .
وكان النبي صلى الله علية وسلم قبل أن يوسع الله على بيت المال لا يصلي على من مات وعلية دين .
عن سلمه بن الأكوع قال ( كنا جلوساً عند النبي إذ أتى بجنازة فقالوا صلِّ عليها . فقال ، هل عليه دين ، قالوا : لا . قال هل ترك شيئاً ، قالوا : لا ، فصلى عليه ، ثم أني بجنازة أخرى فقالوا : يا رسول الله صلِّ عليه ، قال هل ترك شيئاً : قالوا : لا ، قال فهل عليه دين : قالوا : ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال أبو قتادة صلِّ علية يا رسول الهر وعلي دينه فصلى عليه ) رواه البخاري
وفي المسند عن أبي هريرة أن النبي قال( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه )
فيا إخوة الإسلام ليبادر كل منكم إلى قضاء ما علية من حقوق سواء كانت هذه الحقوق لأفراد أو كانت قروضاً من الدولة فالتساهل في تسديدها دون عذر شرعي يعرض صاحبه للخطر العظيم .. وإن من أخلاق المسلم الوفاءَ بالعقد والصدقَ في الحديث وإن من أخلاق المنافق الخيانةَ في العهود والعقود والكذبَ في الحديث .. تحلوا بأخلاق المؤمنين وتجنبوا أخلاق المنافقين . وبادروا بالتحلل من المظالم والحقوق فبل فوات الأوان ومن كان عليه ديون وحقوق فليكتبها حتى لو داهمه الأجل عرف ورثته الدين الذي عليه فقضوا عنه من تركته.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإن الاستدانة وإن كانت مباحة إلا أن على العاقل أن يتريث في أمرها فلا يستدين إلا لغرض يستحق أن يستدين لأجله، لأنه إذا حل أجله ولم يكن عند المستدين ما يوفي صاحبه صار عليه هماً بالليل وذلاً بالنهار.
وإذا حل الأجل ولم يكن عندك ما تسدد به الدين فاستعن بالله وابذل الأسباب المعينة لك على التسديد، ومنها:
الاقتصاد في نفقتك فأكثر الحاجات إنما تنشأ عن شيء من التبذير والإسراف كما قال معاوية ما رأيت سرفاً إلا إلى جنبه حقاً مضاعا.
ومنها بذل الجهد في التكسب المباح ولو أن تعمل ببدنك ويدك كان أصحاب رسول الله إذا دعوا إلى الصدقة وليس عندهم ما يتصدقون به آجروا أنفسهم أي حمالين وعمالاً فأخذوا الأجرة وتصدقوا بها.
ومنها الأخذ من الزكاة فالغارم له حق في الزكاة الشرعية إذا لم يكن عنده ما يسدد به دينه.
ومنها أن يطلب صاحب الدين ان يسقط عنه الدين أو يسقط جزءاً منه أو يؤخر الأجل.
ومنها وهو اعظمها نفعاً اللجوء إلى كاشف الهم ورافع الغم ومجيب دعوة المضطر سبحانه وتعالى فإنه لا يرد من دعه ولا يخيب من رجاه ولا يطرد من أتاه وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية نقولها إذا قهرتنا الديون فمن ذلك: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك قل يا معاذ اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. رواه الطبراني وحسنه الألباني وعن على رضى الله عنه : ” أن مكاتبا جاءه فقال : إنى عجزت عن كتابتى فأعنى قال : ألا أعلمك كلمات علمنيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم و لو كان عليك مثل جبل دينا أداه الله عنك ؟ قال : قل اللهم اكفنى بحلالك عن حرامك و أغننى بفضلك عمن سواك ” .رواه الترمذي وقال حسن غريب وحسنه الالباني.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله عز وجل همه وأبدله مكان حزنه فرحا . قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن . رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلمات المكروب اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه واللفظ له
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه : ” اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والإنجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عني الدين وأغنني من الفقر ” رواه أبو داود ومسلم مع اختلاف يسير
فراجعوا هذه الأدعية النبوية واحفظوها وقولوها بقلوب واثقة بربها يفرج الله بها همومكم ويقضي بها ديونكم.
خطبة مفيدة