العنوان : الشكر من أسباب دوام النعم خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من تقوى الله تعالى شكره على نعمته لأن الشكر عمل صالح مأمور به كما قال تعالى { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} وقال تعالى {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وأمر بالشكر صفوة خلقه وخيرته منهم فقال لموسى عليه السلام { فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وقال لداود وأولاده {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالشكر فقال تعالى {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وأثنى على رسله بأجمل الصفات وأزكاها ومنها صفة الشكر فقال عن نوح عليه السلام { إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} وقال عن الخليل إبراهيم {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
ووعد الله الشاكرين بخير الدنيا والآخرة فقال تعالى {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} أي سيجزيهم ثواباً كثيراً عظيماً وقال تعالى {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } أي من شكر نعم الله عليه انتفع بشكره لله خير الدنيا والآخرة ومن كفر نعمة الله فلا يضر إلا نفسه والله تعالى غني عن خلقه لا ينفعه شركهم ولا يضره كفرهم. وقال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فشكر الله على نعمة سبب دوامها وزيادتها وكفران النعم من أسباب نقصانها وزوالها.
ولا يمكن للعبد أن يشكر ربه إلا بتوفيق الله تعالى لعبده فينبغي للعبد أن يسال ربه أن يعينه وأن يلهمه وأن يوفقه للقيام بشكر نعمة الله عليه كما دعا سليمان ربه فقال {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] وعلّم الله العبد أن يقول إذا بلغ أربعين سنة {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
وشكر الله تعالى يكون بالقلب بالايمان بأن الله تعالى هو مولي النعم ومسديها فما بنا من نعمة صغرت أو كبرت دّقت أو جلّت إلا وهي من الله كما قال تعالى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } ويكون باللسان وذلك بالاعتراف بها والتحدث بها على سبيل الشكر والامتنان والتواضع لله لا ذكرها على سبيل البطر والفخر والرياء قال تعالى {وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ويكون الشكر بالجوارح وذلك بالقيام بطاعة الله واجتناب معصيته فالشكر لا يقتصر على القول فقط كما قال تعالى لآل داود (اعملوا آل داود شكراً).
عباد الله إن الله تعالى ضرب لنا مثلاً بمدينة من المدن وهي مكة حرسها الله فقال تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} وقال عن سبأ {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} فكفران النعم يهدم البيوت ويخرب المدن ويهلك الأمم كما أن شكران النعم يثبتها ويزيدها وينميها.
اللهم إنا نسألك شكر نعمتك ونعوذ بك من كفر نعمتك أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتذكروا ما كان عليه أسلافكم في هذه الجزيرة العربية إلى عهد قريب من جهل وفقر وذلة وهوان وتناحر وتدابر وتفرق واختلاف حتى منّ الله على أهلها بمن وحد على يديه كلمتها وجمع شملها وأعز الله به شأنها فاجتمعت القلوب بعد الفرقة واتحدت الكلمة بعد الاختلاف ورفرفرت راية التوحيد والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتشرت دروس العلم وأخرج الله كنوز الأرض وبسط أمنه على أرجائها مدناً وقرى وصحارٍ وقفار.
فالفضل في ذلك لله وحده ثم للملك الصالح والإمام العادل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله وغفر له وجزاه عنا وعن الإسلام وأهله خير الجزاء.
فلندرك قدر هذه النعمة ولنشكر الله عليها ولنقم بطاعته ولنجتنب معصيته ولننشط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير على ضوء تعاليم الكتاب والسنة دون غلو ولا تفريط.
ولنحذر عواقب المجاهرة بالمعاصي والاستخفاف بحرمات الله فكم من الدول القوية الشديدة البأس الواسعة الغنى ذات العَدد والعتاد كفرت بعد إيمان وضلت بعد هدى واعوجت بعد استقامة وتركت حبل المجاهرة بالمعاصي وأسباب غضب الله ومقته على غاربه فأمهلها الله ثم أخذها أخذ عزيز مقتدر والعياذ بالله.
ولنجتنب أسباب الفرقة والاختلاف التي كان فيها من كان من آبائنا وأجدادنا حتى لا يعود ذلك الماضي البائس، ومن أعظم أسبابها البغي والظلم والتحاسد والشح والحرص على الدنيا واتباع الأهواء وسلوك مسالك البدع والمحدثات وتضييع حق الله بالإشراك به وتضييع حق ولاة الأمر بترك السمع والطاعة لهم في المعروف والخروج على الجماعة.
ولنتذكر ما كنا فيه وما صرنا إليه فإن ذلك من أسباب القيام بمعرفة شيء من نعم الله علينا ومن أسباب شكرها قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
اللهم آمنا في دورنا واصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوال بلاد المسلمين وأنزل عليها الأمن والسكينة والطمأنينة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم
أطلب طلبين
الأول. لو تجعلون الخطبة في ملف وورد ليسهل اقتناؤها جزاكم الله خيراً
الثاني. أنا خطيب مسجد في إحدى ولايات الجزائر و أستأذن الشيخ في الاستفادة من خطبه دون إحالة
جزاكم الله خيراً
أرجو تصحيح العبارة (والله تعالى غني عن خلقه لا ينفعه شركهم ولا يضره كفرهم) لا ينفعه شكرهم وليش شركهم
ما شاء الله شيخنا الكريم
حياكم الله جميعأ… بارك الله فى علم الشيخ ونفع به.. ولعلكم تأذنون بإعادة نسخ الخطب لكل من أراد ان يفيد بها المسلمين.. والسلام عليكم