توقير كبار السن اسم الله تعالى (الحفيظ) و (الحافظ) اسم الله تعالى (الفَتّاح). مكانة المساجد والمحافظة عليها. التحذير من الغيبة والنميمة التحذير من جهلة مفسري الأحلام تعظيم شأن الجمعة والتذكير ببعض أحكامها.

العنوان : العبرة بالرؤية الشرعية في دخول الشهر وخروجه

عدد الزيارات : 1543

أما بعد:

فإن الله تعالى من علينا بدين حنيف له من المحاسن والجمال ما ليس لغيره من الشرائع الصحيحة المنزلة من السماء على الأنبياء والرسل فضل عن الأديان المحرفة والمناهج البشرية المخترعة

ومن محاسنه أنه دين مبني على اليسر والتيسير لا على المشقة والتعسير فلا حرج فيه ولا أغلال ولا أصار قال تعالى مبيناً سماحة دين الإسلام الذي ختم به الدين وارتضاه لخاتم النبيين والمرسلين وجعله الدين الذي لا يقبل من أحد سواه إلى يوم الدين قال تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : 185]

مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)  [المائدة : 6 ، 7]

هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج : 78]

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  [الأعراف : 157]

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)  [البقرة : 286]

 و عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها ، قَالَتْ : ( مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَأْثَمْ ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ ).

وعن أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : « يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا ، و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا » . متفق عليه

و عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ : « بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا » . رواه مسلم

إلى غير ذلك من النصوص العامة والخاصة الدالة على بناء شريعة الـإسلام على التيسير ونفي المشقة والتعسير

وليس معنى التيسير التحلل من أحكام الشرع بتحليل الحرام لمطاوعة رغبات الناس وأهوائهم فهذا إلحاد في دين الله وإنما المقصود أن الشريعة أصلاً مبناها على التيسير ثم إذا طرأت مشقة على الحكم الذي هو يسر في نفسه زاده الله تيسير بموجب الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كالصلوات الخمس فهي يسر في نفسها لقلة عددها وقلة ركعاتها ومع ذلك تزداد يسراً إذا سافر المسلم أو مرض أو حاضت المرأة أو نفست ..

وكذا الصوم هو يسر في الأصل. أداؤه في مقدور غالب الناس وعامتهم فترامهم يصومون ويعملون ويذهبون ويجيئون ولكن إذا طرأت مشقة زائدة أذن الله في الفطر والقضاء وقد يسقط الصوم ويستعاض عنه بالإطعام وذلك من فضل الله وتيسيره على عباده.

إخوة الإسلام:

ومن الأحكام التي مبناها على التيسير في شريعة الإسلام الطريقة التي يثبت بها دخول شهر رمضان وخروجه فهو من أسهل الأحكام وأيسرها وذلك أن يتراءى الناس الهلال في التاسع والعشرين ليلة ثلاثين فإن رأى الهلال مسلم واحد عدل صام المسلمون برؤيته وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان ثلاثين.

وهكذا إذا جاء أخر الشهر تراؤوا  هلال شوال فإن رأه اثنان أو واحد على قول بعض أهل العلم أفطروا وإن لم يروه أكملوا رمضان ثلاثين.

والأدلة على هذا كثيرة ومنها على حديث  عبد الله بن عمر رضي الله عنهما  : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر رمضان فقال ( لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه وفي رواية (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)

ومنها حديث  أبي هريرة رضي الله عنه عن  النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) متفق عليه واللفظ للبخاري

وعن حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِىُّ – مِنْ جَدِيلَةِ قَيْسٍ أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَ ثُمَّ قَالَ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا رواه أبو داود

وعَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِى آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَقَدِمَ أَعْرَابِيَّانِ فَشَهِدَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِاللَّهِ لأَهَلاَّ الْهِلاَلَ أَمْسِ عَشِيَّةً فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا زَادَ خَلَفٌ فِى حَدِيثِهِ وَأَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ. رواه ابو داود.

 وَعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّى رَأَيْتُ الْهِلاَلَ – قَالَ الْحَسَنُ فِى حَدِيثِهِ يَعْنِى رَمَضَانَ – فَقَالَ « أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « يَا بِلاَلُ أَذِّنْ فِى النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا ». رواه أبوداود

 وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنِّى رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ. رواه أبو داود

فهذه النصوص وما في معناها كلها تقرر أو تؤكد أن الأمر ميسور ولله الحمد لا تكلف فيه ولا تعنت فهو دين سهل سمح يصلح للعالم والجاهل والحاضر والبادي.

وزاد الأمر توكيدا قوله صلى الله عليه وسلم (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا – وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ – وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ». يَعْنِى تَمَامَ ثَلاَثِينَ. متفق عليه من حديث ابن عمر.

فالعبرة في دخول الشهر وخروجه الرؤية لا الحساب الفلكي فالهدى والخير إنما هو في اتباعه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (وإن تطيعوه تهتدوا) .

بارك الله لي ولكم في القران العظيم…

الخطبة الثانية

أما بعد:

فإن مما يؤسف له الحملات الشرسة على حكم الرؤية الشرعية لإثبات دخول الشهر أو خروجه والمطالبة بـأن يستعاض عنها بالحساب الفلكي واعتمادها واطراح الرؤية جانباًـ.

ومما يؤسف له أيضاً حملة التشكيك والتشويش التي شنت على الرؤية في هذا العام بدعوى معارضتها للحساب الفلكي مع كونه قد شهد مسلم أو أكثر على الرؤية واعتمد ولي الأمر شهادتهم وأعلن خروج رمضان ودخول شوال وأفطر الناس وعيدوا وفرحوا بنعمة الله عليهم.

وليس لهم معارضة الشرع بإنكار الرؤية لمخالفة الحساب الفلكي وليس لهم معارضة حكم الحاكم الذي يقطع الخلاف والنزاع بل عليهم أن يسلموا للشرع وللحكم الذي لا يعارض الشرع. لأن هذا من الإرجاف بين المسلمين وتحزين قلوبهم وتشويش أذهانهم وتفريق كلمتهم ولأنه من التنطع والتكلف والتعمق الذي نهينها عنه.

ثم من تابع كلام أهل الفلك والحساب يجدهم فيما بينهم مختلفين ما بين مثبت وناف وما بين جازم ومتشكك فإذا كانوا هم لم يتفقوا مع دعواهم أنهم ينطلقون من أحكام قطعية لا يمكن أن تتخلف ولا تتغير فلم يعيبون الرؤية لوجود من رأى الهلال ومن لم يرَه..

ولقد أحسن سماحة المفتي حفظه الله حيث رد على هؤلاء وطمان الناس على صيامهم وإتمامهم نسكهم تسعة وعشرين يوماً لاعتماد الرؤية الشرعية وعدم ما يقدح فيها شرعاً..فجزاه الله خير الجزاء ..

معاشر المؤمنين…


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *