العنوان : جعل الله الأنساب للتعارف لا للتفاخر (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الجنس البشري كله من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء ثم جعل هذه الذرية العظيمة التي لا يحصي عددها إلا من برأها شعوباً وقبائل ليتمايز بعضهم عن بعض فيحصل لهم التعارف فيما بينهم وبهذا التعارف يمكنهم القيام بالحقوق التي عليهم واستيفاء الحقوق التي لهم مما جعل الشارع مبناه على قرب العلاقات وبعدها. أو على نوعها وصفتها. كالبر وصلة الرحم والنفقات والمواريث والديات وغير ذلك.
فما جعلت الأنساب للتفاخر إنما جعلت للتعارف وإلا فالأنساب كلها مردها إلى أصل واحد وهو آدم وآدم من تراب وفي ذلك يقول تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
ولا شك أن الله تعالى اختار من بعض الشعوب والقبائل خيار خلقه فجعل في ذرية نوح وذرية إبراهيم النبوة والكتاب وجعل في ذرية يعقوب أنبياء بني إسرائيل وجعل في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وجعل في قريش الخلفاء الراشدين الأربعة وبقية العشرة المبشرين بالجنة و ستٍّ من أمهات المؤمنين.
و هذا التشريف لا يعني ذلك أن يتفاخر المنتسب إلى إحدى القبائل أو الأسر ذات الشرف على من دونه فكم من قرشي بل من هاشمي هو من حصب جهنم كما قال تعالى عن عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه أبي لهب بن عبد المطلب (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب).
فالكرم على الله والمكانة عنده إنما هي بالتقوى كما قال تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ويؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» رواه مسلم عن أبي هريرة.
عباد الله:
إنه لا أنساب يوم القيامة كما قال تعالى (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) أي لا أنساب يتفاخرون بها أو يستنصرون بها. بل يفر المرء من اقرب الناس إليه قرابه خوفاً من مطالبتهم إياه بالحقوق التي لهم عليه. كما قال تعالى {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } قال ابن مسعود : “يُؤْتَى بِالْعَبْدِ والأمَة يومَ القيامةِ، فَيُنَادِي منادٍ على رءوس الْأَوَّلِينَ والآخِرين: هَذَا فلانُ بنُ فلانٍ، مَنْ كان له حق فليأت إلى حقه. فتفرحُ المرأةُ أَنْ يَكُونَ لَهَا الْحَقُّ عَلَى أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا أَوْ زَوْجِهَا. ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} فَيَغْفِرُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَغْفِرُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ شَيْئًا” اهـ
بل أعظم من ذلك أن الإنسان يوم القيامة لو استطاع أن يجعل أقرب قرابته إليه فداء له من النار لقدّمه إليها لينجو هو منها كما قال تعالى {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ}.
فاتقوا الله عباد الله واحذروا من هذه الخصلة الجاهلية التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ _ أي تكبرها_ ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتنَ» رواه أبو داود والترمذي. وعن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ، رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ” رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الفرقة بين المسلمين من أسباب ضعفهم وهوانهم وتسلط الأعداء عليهم كما قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
واعلموا أن العدو الخارجي أو الداخلي في حربه على المسلمين في بلادهم الآمنة المستقرة يحاول إثارة الفرقة بينهم مستغلاً كل وسيلة وسبب يمكنه النفوذ منها إلى تحقيق مآربه. وإن مما يحرصون عليه إثارة النعرات القبلية والتعصبات المناطقية لهدم بنيان الوطن على رؤوس أهله وليكون بعضهم حرباً لبعض بعد أن كان بعضهم حِباً لبعض وبعضهم عوناً لبعض.
وقد بدأت المحاولات الأولى من أعداء أمتنا استغلال هذا الجانب في المدينة النبوية حين غاض اليهود ما رأوه من أُخوّة الإسلام ومودته التي جمعت بين الأوس والخزرج بعد أن فرقتهم الحروب الجاهلية فما زالوا يثيرون ذكريات الثارات والهزائم والانتصارات حتى حميت نفوس الأوس والخزرج وحتى تواعدوا للحرب في الحَرّة فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فذكّرهم ووعظهم وتلا عليهم قوله تعالى (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) فندموا واصطلحوا وتعانقوا كما رواه ابن اسحاق.
وكم هم اليوم الذين يحاولون إعادة الكَرّة وإحياء تلك النَّعَرة، المرّة بعد المرّة ، لعلهم ينجحون في اللاحقة إن لم ينجحوا في السابقة. فاحذروا العصبيات الجاهلية بأنواعها سواء للقبائل أو المناطق أو الأشخاص وليكن حبكم لله وفي الله وليكن ولاؤكم بالسمع والطاعة والنصح لولاة أمركم، وليكن إمامكم وقائدكم كتابَ الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف هذه الأمة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجمع على الحق كلمتنا يا رب العالمين اللهم إنا نعوذ بك من خصال الجاهلية وكبريائها وفخرها وتعظمها بآبائها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين. اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
جزاك الله شيخنا الجليل الغالي خير الجزاء ونفع بك الإسلام والمسلمين في كل مكان .
الله يحفظك ياشيخ علي
جزاك الله كل خير وكتب أجرك وشكر سعيك وأدام العافية بعظامك ياشيخ علي .
ووفقنا الله وإياكم لكل خير
وثبتنا على المنهج الصحيح .
جزاكم الله خيراً
جزاكم الله خيرا ونفع بكم ورفع قدركم في الدارين .
بارك الله لك في علمك وعملك وثبتنا وإياكم وأحسن خواتيمنا أجمعين.
أحبكم في الله
جزاكم الله خيرا وزادكم علما ورفع درجتكم فى الدنيا والاخرة وجمعنا بكم فى الجنة وثبتنا وإياكم على التوحيد والسنة حتى نلقى الله عزوجل
أخوكم من ليبيا حرسها الله من كل سوء
حياك الله شيخنا الكريم المفضال
جزاك الله خيرا استسمحك في نسخ الخطب