شكر الله تعالى على نعمة الأمن والاستقرار توقير كبار السن اسم الله تعالى (الحفيظ) و (الحافظ) اسم الله تعالى (الفَتّاح). مكانة المساجد والمحافظة عليها. التحذير من الغيبة والنميمة التحذير من جهلة مفسري الأحلام

العنوان : حكم مرتكب الكبيرة

عدد الزيارات : 8856

تنقسم الذنوب عند أهل السنة والجماعة إلى كبائر وصغائر، كما قال تعالى {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (31) سورة النساء وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر) رواه مسلم
والكبيرة في التعريف المشهور عند أهل العلم: كل ذنب ختم بلعنة أو نار أو غضب أو براءة أو رتب عليه حد أو وعيد خاص.
ومن أمثلة الكبائر: عقوق الوالدين، وقطع الرحم، وشرب الخمر، والزنا واللواط، وشهادة الزور والقتل بغير حق، وأكل الربا، والحكم بغير ما أنزل الله بدون استحلال.
والكبائر لا تكفر إلا بالتوبة منها عند جمهور أهل العلم ولا يمتنع أن يكون من الأعمال الصالحة ما قد يحصل به تكفير جميع الذنوب.
حكم مرتكب الكبيرة دون استحلال:
أولاً: مذهب أهل السنة والجماعة أنه مؤمن ناقص الإيمان، ويسمونه مسلماً فاسقاً. فلا يثبتون له الإيمان الكامل، ولا ينفون عنه أصل الإيمان. لأن الله عز وجل قد أثبت لمرتكب الكبيرة الإيمان فقال في القاتل بغير حق { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } (178) سورة البقرة. فأثبت الله تعالى الأخوة الإيمانية بين القاتل وأولياء الدم. وقال تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (9) سورة الحجرات فأثبت لهما وصف الإيمان مع كونهما متقاتلتين.
وهكذا جاء في السنة النبوية ففي الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه قال فبايعناه على ذلك) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري
وفي الصحيحين من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر”.
فدلت هذه الأحاديث على أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن شاء الله عز وجل عفا عنه، وإن شاء عذبه، لكن آخر أمره إلى الجنة، ولو كان يكفر بكبيرته لكان من أهل النار خالداً فيها مخلداً.
وأما الدليل على نقصان إيمانه بكبيرته فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) رواه البخاري ومسلم ، فلما نفى عنه الإيمان دل على أن إيمانه ليس بكامل. ولا يظن ظان بأن نفي الإيمان عنه نفي لإيمانه كله لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضاً ويبين بعضها بعضاً ، فلما ثبتت النصوص بإثبات الإيمان لمرتكب الكبيرة دل على أن النفي إنما هو لنفي الكمال الواجب لا نفي أصل الإيمان.
وقد خالف أهل السنة والجماعة في هذه المسألة ثلاث فرق ضالة وهي الخوارج والمعتزلة أهل الإفراط، والمرجئة أهل التفريط.
ثانياً: مذهب المرجئة:
قالوا هو مؤمن كامل الإيمان، لم ينقص إيمانه بكبيرته شيئاً، وهذا القول ظاهر البطلان، لمصادمته عشرات النصوص من السنة والقرآن. ولمعارضته لإجماع السلف الصالح.
وسبب ضلالهم أنهم اعتقدوا أن الأعمال الصالحة ليست داخلة في حقيقة الإيمان، بل قالوا الإيمان تصديق القلب وقول اللسان فقط، ولذا فلا يزيد الإيمان عندهم بالطاعة كما أنه لا ينقص بالمعصية.
ثالثاً: مذهب الخوارج:
قالوا هو كافر في الدنيا كفراً أكبر مخرجاً له من الملة، وإذا مات دون توبة كان في الآخرة من أهل النار خالداً مخلداً فيها والعياذ بالله، وضلوا بسبب إعراضهم عن فهم السلف الصالح لنصوص الوعيد كقوله صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث. ففهم السلف أن النفي يتعلق بكمال الإيمان الواجب لا بأصل الإيمان كما تقدم بيانه آنفاً.
رابعاً: مذهب المعتزلة:
جعلوا مرتكب الكبيرة في الدنيا في منزلة بين الكفر والإيمان فأخرجوه من الإيمان لكنهم لم يدخلوه في الكفر، وأما في الآخرة فهو في النار خالداً مخلداً فيها فوافقوا الخوارج في هذا. والله عز وجل إنما قسم الناس إلى قسمين لا ثالث لهما فقال {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ } (2) سورة التغابن.
وفي زماننا اليوم ظهر من يكفر ببعض الكبائر كمن يكفر [من يذكر فواحشه في شريط]، وكمن يكفر [الذين يتعاملون مع البنوك بالقروض الربوية]، وكمن يكفر [أصحاب الفنادق التي تبيع الخمور]، وكمن يكفر [الدولة المسلمة إذا كان فيها بنوك ربوية]، وكمن يقول إن [أعظم معصية حورب الله بها في أرضه ترويج المخدرات]، وغير ذلك مما يطول تعقبه، فهذا تكفير بفعل بعض الكبائر وليس باستحلالها، وربما يصل الحال بأصحابها مستقبلاً إلى التكفير بالكبيرة مطلقاً كالخوارج والعياذ بالله.
وقبل أن أختم كلمتي هذه أشير إلى مسألتين:
الأولى:
وجوب الحذر من المعاصي كلها ولا سيما الكبائر، فإنها موبقات مهلكات، وكثير ممن يموت عليها دون توبة يعذبه الله عز وجل في قبره وبعد بعثه نسأله السلامة والعافية، ومن ابتلي بشيء منها فالله الله في البدار إلى التوبة قبل حلول الآجال والختم على الأعمال.
الثانية:
استحلال الذنب معناه اعتقاد كونه حلالاً، فهو عمل غيبي لا يطلع عليه إلا بلسان صاحبه فإن صرح بالاستحلال تبين وإلا فلا ولو كان مجرد الفعل استحلالاً لكفر كل مرتكب كبيرة وهذا واضح والحمد لله.
نسأل الله أن يثبتنا على السنة، وأن يفقهنا فيها، وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يهدي ضال المسلمين وأن يسلك بنا وبهم صراطه المستقيم إنه جواد كريم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.

علي بن يحيى الحدادي


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *