العنوان : خطبة عيد الفطر 1432هـ
أما بعد:
فيا ايها الناس اتقوا الله حق تقاته واشكروه على نعمه وألائه ومنها أن بلغكم هذا العيد السعيد الذي ختم الله به شهر القران والصيام والقيام وافتتح به اشهر الحج إلى البيت الحرام.
يوم عظيم لمن أتم الله عليه نعمته فقبل صيامه وقيامه وغفر زللـه وإجرامه وكتب له الجنة دار المُقامة
إخوة الإيمان
إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى وإن من أجلها وأعظمها أن هدانا للإسلام وأنقذنا من الشرك وأن تفضل علينا بالعقيدة الصافية النقية عقيدة السلف الصالح عقيدة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسوة هذه الأمة وقدوتها ونبراسها العملي
فمن لقي الله موحداً لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة وحرمه الله على النار فلا يخلد فيها ومن لقي الله يشرك معه ألهة أخرى دخل النار وحرم الله عليه الجنة والعياذ بالله,
ومن لزم طريقة السلف الصالح عقيدة أهل السنة والجماعة فقد هدي الى الصراط المستقيم والمنهج القويم
فالعقيدة الصحيحة هي التي بها يعرف العبد ربه حقاً بأسمائه وصفاته التي جاءت في كتاب الله الكريم وسنة نبيه الصادق الأمين التي تتلخص في الإيمان بأسماء الله وصفاته على حقيقتها من غير تمثيل لله بشي من خلقه كما قال تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) على خلاف المذاهب المضلة التي لا تزيد أصحابها بالله إلا جهلاً ولا تفيدهم إلا حيرة وضلالاـ..
وبالعقيدة الصحيحة يقوم بحق ربه الذي خلقه من أجله فيعبده وحده ولا يشرك به شيئاً فذلك اعظم حقوق الله على عباده كما في حديث معاذ. ومن ضل عنها تراه يردد كلمة التوحيد ليلاً ونهاراً ولكنه يشرك مع الله في العبادة فيستغيث بالأولياء ويدعو الأنبياء وينذر للقبور ويتبرك بالأضرحة فأين هي حقيقة كلمة التوحيد عند من هذا شأنه.
إنها العقيدة التي يلزم فيها المسلم جانب الحق في جناب محمد صلى الله عليه وسلم فيؤمن به خاتما للنبيين والمرسلين شاهداً له بأنه بلغ البلاغ المبين متبعاً لسنته مصدقاً لخبره ممتثلا أمره مجتنباً نهيه لا يقدم على سنته قول أحد من الناس ، يحبه محبة تفوق محبته لنفسه التي بين جنبيه يعظمه ويوقره لكنه لا يغلو فيه كما غلت النصارى في ابن مريم فلا يدعوه مع الله ولا يعبده من دون الله ممتثلاً قوله صلى الله عليه وسلم إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
هي العقيدة الصحيحة التي يكون المسلم فيها قائما بالعدل والحق والوسطية في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأهل بيته فترى صاحب هذه العقيدة يحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويترضى عنهم ويثني عليهم يحب الخلفاء الراشدين ويواليهم ويعادي من يعاديهم يحب أمهات المؤمنين ويترضى عليهم يحب ال بيت النبي صلى الله عليه وسلم من أمن منهم ويوقرهم
وهو مع ذلك لا يغلو في احد منهم ولا يرفعه إلى منزلة الألوهية أو الربوبية أويعطيه مقام النبوة وخصائصها كما يفعله من ضل السبيل فتجده يبغض أصحاب محمد صلى الله ويعاديهم أو يعادي بعضهم ويغلو في بعضهم طاعة لأولياء الشيطان واغترارا بشبهاتهم وضلالاتهم أعاذنا الله منها ومنهم.
وهي العقيدة التي يتفيأ الحاكم والمحكوم فيها ظلال الأمن والأمان والألفة والاجتماع، لأنها توجب على أهلها أن يسمعوا ويطيعوا لولاة أمرهم في المعروف وأن لا ينزعوا يداً من طاعة وإن جاروا وظلموا مع القيام بواجب المناصحة والإصلاح بالتي هي أحسن. لأن عدم الصبر على جور الولاة وظلمهم والإقدام على مقابلتهم بالقوة والخروج يؤدي إلى فتن عظيمة وشرور مستطيرة من دماء تسفك وأعراض تنتهك وسبل تقطع وما يترتب عليها من تفرق القلوب وتسلط الأعداء وضياع الأموال وازدياد الفقر كما يشهد بذلك التاريخ الذي نقرأه والحاضر الذي نبصره.
وإن ما نحن فيه اليوم من نعمة الأمن والاجتماع والألفة لهو ثمرة محسوسة من ثمرات تمسكنا بهذه العقيدة فكم حاول أهل الفتن والمحن وأهل الكيد والمكر أن يوقعوا بيننا وبين ولاة أمرنا ولكن بحمد الله تحطمت آمالهم وكذبت أحلامهم
فاستمسكوا بهذه العقيدة ولا تغيروها فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله
إخوة الإسلام:
لقد ودعنا بالأمس شهر رمضان بعد أن عشنا نهاره صياما وليله قياما وساعاته ذكراً وقراناً تلذذنا فيها بالعبادة وأنسنا بالقرب من الله فانشرحت الصدور واطمأنت القلوب وتلك جنة عاجلة للمؤمن يذوق فيها أثار عبادة الله فإذا لقي ربه أدخله الجنة الباقية الخالدة
عباد الله إن كان رمضان قد مضى وانقضى فإن الله حي لا يموت وشاهد لا يغيب فاجعلوا العمر كله _ وإنه لقصير _ موسم طاعة وعبادة تقربوا إلى الله بما يرضيه واجتنبوا ما يسخطه من مناهيه بالعناية بالواجبات الشرعية فإن أحب ما تقرب به العبد إلى ربه ما افترضه عليه وبالاستكثار من النوافل فقيام الليل مشروع في العام كله ويا خيبة وخسارة من كان يقوم الليل ثم تركه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه محذراً (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل) متفق عليه
وصيام النافلة مشروع في السنة وفي الشهر وفي الأسبوع فيسن صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام ستة أيام من شوال وصيام عاشورا وصيام عرفة لغير الحاج وصيام محرم وصيام أكثر شعبان
ويشرع للمسلم أن يستكثر من تلاوة القران بتدبر وتامل في كل وقت وله في تلاوته من الأجور والحسنات مالا يخطر على البال..
عباد الله:
من الناس من يعرض عن ربه بعد رمضان إعراضاً كبيراً فتراه يهجر صلاة الفريضة فلا يصليها وذاك يهجر المسجد فلا يدخله إلا من الجمعة إلى الجمعة مع أنه كان في رمضان حمامة مسجد لا تكاد تخطئه فريضة
أو تراه ما إن يخرج رمضان حتى عاد إلى سيرته الأولى من ترك الطاعات وارتكاب المنكرات بعد أن أصلح حاله في رمضان
فليسألوا أنفسهم بصدق لم يفعلون ذلك أليس رب رمضان هو رب شوال ورب العام كله
هل الله أمر أن يعبد في رمضان وأن يعصى في غيره
هل يعتقدون أنهم ضمنوا المغفرة للذنوب السابقة واللاحقة وأنهم قد أمنوا عذاب الله فلن يعذبوا أبداً
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الضلالة بعد الهدى ومن الزيغ بعد الهداية وذلك أن الأعمال بالخواتيم ومن زاغ بعد الهدى فقد تدركه المنية على سيئ عمله فيلقى ربه مفرطاً مضيعاً فيتحسر حين لا تنفع الحسرة ويندم حين لا تنفع الندامة
إن عقلاء أهل الإيمان يدركون أن رمضان كان موسماً لمضعفة الاجتهاد في الطاعات بأنواعها فإذا انتهى رمضان ثبتوا على فعل الخيرات وترك المنكرات ولم يدعوها ويولوها أبارهم غير أنهم قد يكونون في رمضان أنشط منهم في غيره
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
اقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله شرع في هذا اليوم صدقة الفطر من الطعام تعطى للفقراء والمساكين لتكون طهرة للصائم من اللغو والرفث فمن أخرجها فتقبل الله منه ومن لم يخرجها فليبادر إلى إخراجها ولا يؤخرها من غير عذر فيترك فرضا فرضه الله عليه.
أيها الإخوة
إن العيد مناسبة سعيدة وفرصة ثمينة لإصلاح ذات البين وإنهاء المشاحنات والخصومات بين الأقارب والأصهار والأصدقاء والزملاء وذلك بالعودة الى التواصل والتزاور والتسامح والتصافي والتنازل عن بعض الحقوق أو كلها رغبة فيما عند الله من الأجر والمثوبة (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
وتذكروا أن مواسم الخير والغفران قد يحرم منها العبد بسبب مشاحنة وبغضاء وقطيعة وهجران تكون بينه وبين أخيه فلا يغفر لهما حتى يصطلحا..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله اكبر ولله الحمد
ايتها المسلمات:
إن الله أمركن بالقرار في البيوت فلا تخرجن إلا لحاجة لا بد منها وإذا خرجتن فالزمن الحجاب الشرعي الساتر فإن تبرج المرأة وسفورها من أسباب الفتنة والفاحشة والانحطاط الأخلاقي.
إن من الأمور المشاهدة المصحوبة بالأسى والأسف ما يلاحظ من تساهل بعض النساء في أمر الحجاب والتستر فعلى الأسرة أن تعتني بتربية أبنائها على أخلاق الإسلام. وأدابه وقيمه، وعلى وقايتهم من التأثر بوسائل الفساد من إعلام أو صداقات أو سفريات أو منهج تعليم يسلخ أولادنا ذكورا وإناثاً عن قيمهم الحميدة وسيرتهم الرشيدة
إن الشعوب المتقدمة في المخترعات الدنيوية متأخرة كل التأخر في قضية العفة والطهر فلا يصلح أن يكونوا لنا قدوة فيما هم عليه من الانحطاط الأخلاقي ولا سيما ما يتعلق بالمرأة ولباسها وعلاقتها بالرجل الأجنبي عنها. بل القدوة الصحيحة هن نساء المؤمنات الأولات من المهاجرات والأنصاريات وعلى راسهن أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن أجمعين.
على الزوجة أن تتقي الله في بيتها وزوجها وأولادها طاعة ورعاية وتربية وصبرا وتغاضياً عن بعض حقوقها فإن استقرار الأسرة استقرار للمجتمع واضطرابها اضطراب وخلل ينجر على المجتمع كله فما المتجتمع إلا مجموعة من الأسر.
إن كثيراً من نزلاء السجون وأصحاب السوابق والإفساد في الأرض خرجوا من أسر مفككة وبيوت مهلهلة فقدوا التربية والتوجيه والأمان والدفء فتلقفتهم الارصفة والطرقات وعصابات الجريمة والمخدرات فـهلكوا وأهلكوا وفسدوا وأفسدوا.
حمى الله أبناءنا وبناتنا من كل سوء إنه سميع مجيب.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إخوة الإيمان تذكروا باجتماعكم هذا اجتماعكم يوم الحشر والعرض على الله فما أسرع القدوم عليه والمصير إليه فكم وكم ممن حضر معنا مثل هذا اليوم في العيد الماضي وسمع مثل هذه الذكرى قد صار إلى ربه، موسداً في قبره ، مرتهنا بعمله، فاستعدوا لذلك اليوم بالـإيمان الصادق والعمل الصالح وسرعة التوبة والإنابة قبل فوات الأوان وهجوم الأجال وانقطاع الأعمال والله المستعان.
معاشرا المؤمنين صلوا وسلموا ..