العنوان : ذم الخوارج وتثبيت رجال الأمن
// الخطبة الأولى //
أما بعد
فإن من أشد الناس الفرق خبثاً وضلالاً و خطراً على الإسلام وأهله فرقة الخوارج ، الذين نص عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة ، وبين أوصافهم ، وأوضح حرصهم على سفك الدماء المعصومة ، لا سيما سفك دماء المسلمين ، وحذر منهم , وأمر بقتلهم واستئصالهم ، وبشر أن من قتل على أيديهم فهو من خير القتلى عند الله ، وأنذر الخوارج بأن من قتل منهم فهو شر القتلى تحت أديم السماء.
عباد الله :
إن أبرز انحرافات الخوارج تكفيرهم للمسلمين بغير حق، والخروج على ولاة أمر المسلمين ، يقاتلونهم ويقتلون من قدروا على قتله من جنود السلطان ورعيته.
وقد أنكر رأسهم على النبي صلى الله عليه وسلم قسمة المال حين رآه يتألف رؤوس العرب بالأموال الطائلة فقال ذلك الشقي : “اعدل يا محمد . فإنها قسمة ما أريد بها وجه الله” .
هكذا يستنكر السياسة المالية للنبي صلى الله عليه وسلم ويتهمه بالظلم ، ويقدح في عدالته ونيته ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك بأنه سيخرج من ضئضئ هذا أي من صلبه أو على طريقته أقوام يجتهدون في العبادة أشد الاجتهاد ثم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، وبين أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، وأنهم سفهاء الأحلام ، حدثاء الأسنان ، وأنهم لا يزالون يخرجون ويخرجون حتى يخرج فيهم الدجال ، لكنه عليه الصلاة والسلام بشرنا أنه كلما طلع منهم قرن قطعه الله عز وجل .
فوقع الأمر كما أخبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام سواء بسواء.
لقد خرجوا على عثمان رضي الله عنه فطعنوا فيه ، وقدحوا في سياسته المالية ، ومنهجه في اختيار أمراء الأقاليم ، فألبوا عليه الناس حتى حصروه في بيته ثم قتلوه قتلة شنيعة وهو شيخ كبير قد تقدم سنه ، وشاب شعره ، ورق جلده ، ووهن عظمه ، فانظروا عباد الله كيف أنهم لم يرتضوا بسياسة الخليفة الراشد الثالث ، المبشر بالجنة ، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه رقية وأم كلثوم أفتظنون أن الخوارج سيرضون بسيرة أحد من أهل الأمر من بعده ؟
ثم خرجوا على علي رضي الله عنه فكفروه ، وقاتلوه فقتل منهم جمعاً غفيراً في النهروان ثم تمالأ ثلاثة من شرارهم في المسجد الحرام واتفقوا على اغتيال كبار أمراء المسلمين في وقتهم وهم علي ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً ونفذوا المخطط لكن الله لحكمة بالغة قضى أن يقتل علي وأن ينجو معاوية وعمرو فانظروا عباد الله كيف خططوا في البيت الحرام لهذه الجريمة الشنيعة أفتظنونهم يرعون لبيت الله حرمة فيصونونه عن هذه الجرائم البشعة التي يتقربون بها إلى الله في زعمهم ، أم تخالونهم يتورعون عن قتل مسلم بعد أولئك الثلة الطاهرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم القوم الذين لم تطلع الشمس على أحد بعد النبيين خيرٍ منهم .
ومثال آخر على تكفيرهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهذا أبو أيوب يقاتل الخوارج فيمكنه الله من واحد منهم فيضربه ضربة قاتلة ويقول : إلى النار قال ذلك بناء على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فماذا قال الخارجي وهو على أبواب الآخرة ؟ التفت إلى أبي أيوب قائلاً : ستعلم أينا أولى بها صلياً ؟؟
فمن كفّر هذا الصحابيَّ الجليل وحكم عليه بأنه من أهل النار أفتظنون ورثته يتورعون عن تكفير غيره من المسلمين ؟
ثم لم تزل فتنتهم إلى عصرنا هذا ، وقد ظهرت بصورة جلية في فكر بعض المنظرين القائمين على الحركات الثورية التي تنتسب إلى الإسلام والدعوة إليه وعند التأمل نجدها لا تدعوا إلى الإسلام الذي نزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وإنما تدعو إلى نفسها لكي تصل إلى الحكم ، وهذا تاريخها بأقلام كتابها أنفسهم يشهد عليهم إذ شهدوا على أنفسهم أنهم نظموا التنظيمات السرية وأنهم أعدوا خطط الثورة على ولاة أمرهم حكام البلاد ، وشاركوا فيها حتى أطاحوا بهم !! ثم يزخرفون هذا الضلال المبين بأنه كان عملاً من أجل الإسلام!!
أي دعوة هذه التي تقوم على التنظيم السري ، وعلى تأليب الرعية على ولاتها ، وعلى تكفير المسلمين حكاماً ومحكومين ، وتقوم على الغدر ونقض العهود والتفجير والاغتيالات !!
أهذه الأساليب اتخذها محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته لكفار قريش ؟ أم سار عليها إبراهيم عليه السلام مع النمرود أو يوسف عليه السلام مع ملك مصر؟ أو موسى عليه السلام مع فرعون ؟
أفعلها أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم أجمعين ؟! لا والله.
بل هذه سياسات شيطانية ومناهج ضالة لا تمت إلى شريعة الإسلام بصلة.
ثم ظهر من منظريهم من يصرح بكفر عموم المسلمين حتى المؤذنين الذين يصدحون بكلمة التوحيد على المآذن . واعتبر هذه المساجد التي تصلون فيها لله رب العالمين اعتبرها معابد جاهلية وثنية !! نعم هكذا يقرر صاحب كتاب في ظلال القرآن عند تفسيره سورة الأنعام
وتأثر به كثير ممن عرفوا بدعاة الصحوة فربوا الشباب تربية ثورية تهييجية يصورون لهم في كلماتهم ومحاضراتهم العامة تصريحاً لا تلميحاً بأنه لا وجود لدولة إسلامية اليوم . ثم بلغ الحال ببعضهم أن صرح بتكفيره جميع أهل الأرض إلا من كان معه وعلى رأيه ومنهجه.
واصطلت كثير من البلاد الإسلامية بنيران الفكر الخارجي ، وقامت الصدامات الدموية بين الخوارج وحكوماتهم باسم الإسلام فذهب ضحيتها ألوف مؤلفة من شباب الإسلام في زهرة العمر.
وكانت بلادنا بمنأى عن تلك الفتن حتى تكونت القاعدة المطلوبة في نظر المنظرين فقاموا في هذه السنوات الأخيرة بالعمليات الإجرامية من التفجير والتدمير تحت شعار إخراج المشركين من جزيرة العرب ولغلبة الجهل والهوى انطلت هذه الخدعة على كثير من عوام المسلمين وتعاطفوا مع أصحاب هذا الفكر الضال والمعتقد الفاسد . وذلك بسب التربية السيئة الماكرة التي تعرضوا لها خلال سنين طويلة على أيدي الحركيين ، وإلا فلو سلموا من شر هذه التربية لكان موقف عامة المسلمين موقف ولاتهم وعلمائهم الموقف القائم على الرفض والاستنكار لهذا العدوان على المعاهدين والمستأمنين .
لقد كان ابتداؤهم بتدمير الأهداف التي فيها غير المسلمين ليحوزوا على تعاطف الهمج الرعاع الذين لا يميزون بين الحق والباطل لما يعلمون ما في قلوبهم من حب الخير وأهله دون تمييز لحقيقة الخير والشر إنما عقولهم في عيونهم وآذنهم لا غير.
وهاهم اليوم يكشفون عن مكنون قلوبهم ، وعن خبث طيات أنفسهم حين وجهوا رصاص الغدر والخيانة والجبن إلى أهل لا إله إلا الله من رجال الأمن عند نقاط التفتيش ، وهم يعلمون علم اليقين أنهم يوجهون نيرانهم إلى موحدين مصلين صائمين.
ثم يتجلى الحقد الدفين حين يقومون بدهس جثث الشهداء بسياراتهم ووالله لو مثلوا بيهود أو نصارى أو وثنيين لكان حراماً فكيف وهم يمثلون بمسلمين.
إخوة الإسلام :
احذروا فكر الخوارج وفتنتهم
احذروا طرقهم الملتوية في إفساد القلوب ومنها التلاعب بآيات الكتاب وبآحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث يفسرونها بغير التفسير الصحيح .
ومنها تسمية الأمور بغير أسمائها الصحيحة كتسمية الإفساد جهاداً وتسمية الخوارج مجاهدين ، وتسمية قتلاهم شهداء وتسمية دولة الإسلام دولة الكفر.
ومنها إشاعة الأخبار السيئة عن الدولة وتصويرها للرعية بأنها دولة غاشمة ظالمة تحارب الإسلام ودعاته.
وكثيراً ما يأتون للناس من باب الأموال لأنهم يعلمون أثر المال على قلوب كثير من الناس الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى (إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون)
وهذه الأخبار منها ما هو كذب فلا يلتفت إليه، ومنها ما قد يكون بعضه صدقاً فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا عند وجود الأثرة بالصبر والاحتساب وإعطاء ولاة الأمور حقوقهم كاملة من السمع والطاعة والمحبة والدعاء لهم وبذل النصيحة لهم والتعاون معهم على الخير.
لأن بيعتنا لهم ليست على أمر الدنيا إنما بيعتنا لهم دينية وأمر الدنيا تبع ، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم من يجعل سمعه وطاعته لولاة أمره مرتبطاً بما يناله من دنياهم ، كما ثبت بذلك الحديث في صحيح البخاري .
فاحمدوا ربكم على أن أصول الدين محفوظة في بلادنا هذا التوحيد قائم منصور، والشرك مغلوب مقهور أفي بلادكم هذه أوثان تعبد من دون الله علانية ؟ أفي بلادكم من يجرؤ فيجاهر بالذبح لغير الله أو النذر لغير الله أو الاستغاثة بغير الله ؟
إن أطفالكم وعوامكم لو رأوا شيئاً من ذلك أو سمعوه لبادروا بإنكاره والحمد لله.
وفي غير بلادكم لو قام من ينكر الشرك الأكبر لضرب وأوذي وربما قتل .
هذه مساجدكم قائمة معمورة مؤسسة على توحيد الله ، تؤمونها ليلاً ونهاراً لا تخشون رقيباً ولا حسيباً ولا ظاناً بكم ظن السوء والحمد لله على فضله.
هذه مناهجكم مؤسسة على التوحيد الخالص لا تقرر شركاً ولا بدعة فالحمد لله على فضله .
عباد الله :
لا يكفر هذه الدولة السعودية إلا ظالم غاشم حاقد وهو بذلك لا يضرها ولا يضرنا بشيء إنما يضر نفسه ودولتنا يكفيها شهادة القاصي والداني بأنها دولة الإسلام ومأرزه ، يكفيها شهادة كبار العلماء بأنها خير دولة إسلامية على وجه الأرض اليوم فالحمد لله على فضله .
نعم النقص موجود والتقصير حاصل ومن الذي كمل
من الذي ما ساء قط ؟! ومن له الحسنى فقط ؟!
لكن هذا النقص لا يبلغ درجة الكفر ولا يسوِّغ الخروج ولا يستصلح بالسب واللعن والتكفير والنار والرصاص إنما يستصلح بالنصيحة الصادقة والكلمة الطيبة , والله نسأل أن صلح الأحوال ، وأن يطفئ نار الفتن، وأن يديم على هذه البلاد أمنها واستقرارها وسائر بلاد المسلمين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
// الخطبة الثانية //
أما بعد :
فإن من أشد الناس ابتلاء بهذه الفتنة واصطلاء بنارها هم رجال الأمن فإنهم يسهرون حين ينام الناس ، وينصبون حين يرتاح الناس ، ويتعرضون للأخطار حين يأمن الناس ، فمن أخلص منهم فهو في جهاد عظيم وأجره على الله ، وأجره عند الله أجر كبير.
ومشاركة لهم في جهادهم ننوه بجهودهم في هذا المقام الكريم في هذه الساعة الكريمة المباركة سائلين الله أن يحميهم وأن يحفظهم وأن ينصرهم على عدوهم إنه سميع قريب.
رجال الأمن :
لقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم المرابطين لحماية المسلمين بالأجر الكبير فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها . رواه البخاري وعن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان . رواه مسلم .
وعن عثمان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رباط يوم في سبيل الله أفضل من ألف يوم فيما سواه فليرابط امرؤ كيف شاء هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . رواه أحمد .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله . رواه الترمذي وحسنه.
رجال الأمن البواسل:
إن كل نصب وتعب يتلاشى ويهون حين يسمع المؤمن الصادق مثل هذه الوعود الكريمة على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، فأبشروا أيها المرابطون لحراسة المسلمين ، وحماية دولة التوحيد والسنة .
إن للموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر والموت في سبيل الله أمنية وشرف يتشوف لها المسلم ولا يتهرب منها والقتل على يد الخوارج خاصة فيه مزيد فضل وقد اختاره الله عز وجل لاثنين من الخلفاء الراشدين عثمان وعلي رضي الله عنهما .
وفيهم يقول صلى الله عليه وسلم : ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ) متفق عليه . وفي رواية لهما ( فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة ) .
وعن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج ( هم شر الخلق ، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا من الله في شيء . فمن قاتلهم كان أولى بالله منهم ) رواه أبو داود .
ومع ذلك فنسأل الله لنا ولكم العافية والسلامة من كل بلاء وشر وفتنة .
رجال الأمن :
إن الهيئة الحسنة التي تظهر عليها سيما الخير والصلاح لا تزن عند الله شيئاً إذا لم يصحبها استقامة على السنة فلا تغتروا بالمظاهر، ولا يحصلن عندكم تردد في عدالة موقفكم وضلالة موقفهم ، إياكم أن يوسوس لكم الشيطان بأن هؤلاء شباب صالح ملتزم مستقيم إن الاستقامة ليست في لحية أو ثوب فقط نعم هما جزء مهم من الاستقامة لكن أعظم منها الاستقامة على المعتقد الصحيح ، ومجانبة الأهواء المضلة المردية .
ولقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أمثال هؤلاء فعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردئا للإسلام غيّره إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك . قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي ؟ قال : بل الرامي ( رواه ابن حبان . وقال ابن كثير عن إسناده هذا إسناد جيد .
وهؤلاء عامتهم أهل قراءة وعبادة حتى ظهرت عليهم آثار العبادة وكان قصدهم الذب عن الإسلام وحياضه ، ثم انحرفوا بسبب الجهل والهوى فغيروا معاني الكتاب وكفروا الأهل والجيران وولاة الأمر وجنودهم وخرجوا عليهم بالسيف ، وهم أحق بالكفر وأولى به .
فاثبتوا رجال الأمن ، وضاعفوا جهودكم ، واستعينوا بالله واصبروا ، والمسلمون معكم بدعائهم ومعونتهم ما استطاعوا .
11/3/1425هـ