العنوان : شكر الله تعالى على نعمة الأمن والاستقرار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حق تقاته، واشكروه على آلائه ونَعمائه، فإنّ الله تعالى يحب مِن عباده أن يشكروه، ولا يرضى لهم أن يكفروه، فمَن شَكَره أَحبّه، وزاده من فضلهِ، وأذهب عنه الحَزَن وأدخلهُ الجنة، ومَن كفر نعمته، سَلبهُ النعمة، وأنزل به النِّقمة، وجعله لغيرهِ مَثَلاً وعِبْرة.
قال تعالى آمراً بشكره ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ وقال تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ وقال تعالى ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وقال تعالى ﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وقال تعالى ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وقال تعالى ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾
وقال تعالى محذرا من الكفر، آمراً بالشكر ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾
وقال تعالى واعداً مَن شكره بالمزيد، ومتوعداً مَن كفر نعمته بالعذاب الشديد ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾
وجعلَ الله من جاحدي نعمتهِ عِظةً وعِبرةً لغيرِهم، سواءً كانوا أفراداً مثلَ قارون، أو مجتمعاتٍ كأهلِ مكة مِمن كذّبَ بالنبي ﷺ، فقال عن قارون: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ وقال عن أهل مكة ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
عباد الله: لقد أثنى الله على الشاكرين فقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ ونوّهَ بشأن نوح عليه السلام فقال ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ ونوّهَ بشأن إبراهيم فقال ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ووصف الله تعالى نفسه بأنه الشكور فقال ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ ومعنى كون الله شكوراً أَنّهُ يقبل القليلَ من العملِ الصالح، ويضاعفُ ثوابه أضعافاً كثيرة، فهو الشكور، ويحب الشكرَ والشاكرين.
فاشكروا الله تعالى على نعمةِ الإسلام والإيمان، ونعمةِ التوحيدِ والسنة، واشكروه على نعمةِ الأمنِ على الأنفس والأموال، والأهلِ والأعراض، واشكروه على نعمةِ الرخاء ورغدِ العيش، واشكروه على نعمةِ الولاية الصالحةِ الرشيدة، فقد جمع الله بها الشمل، وألّف بها بين القلوب، ووحّد بها الكلمة على راية التوحيد، وثَبَّتَ بها الأمنَ بعد الخوف الشديد، وأخرجَ على يديها كنوزَ الأرض، وفتح أبوابَ الرزق، فها هو وطنُكم بحمد الله اليوم مضربَ الأمثال، والسٌّكنى والعملُ فيه هو لكثير من الناس أكبرُ الآمال.
فاعرفوا قدرَ هذه النعمة، وحافظوا عليها بالحفاظ على التوحيد والسُّنة التي هي سرُّ سعادتنا، وأساسُ عزِّنا، وبالحفاظ على الطاعةِ واجتناب المعاصي، فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما ارتفع إلا بتوبة. وبالحفاظِ التام على السمع والطاعة، وصدقِ الولاء، لإمامنا خادمِ الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، فبالسمعِ والطاعةِ وصدق الوفاءِ يستقيمُ أمر الوطن، وتفشل بإذن الله كلُّ مخططاتِ أهلِ المكر والكيد، ممن يسعون إلى تشكيكِنا في قيادتِنا، واختلافِ كلمتنا، وتشتيتِ صفِّنا، وتفتيتِ وحدتِنا. كفانا الله شرهم.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وأرنا فيمن يكيد لنا عجائب قدرتك، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعتصموا بحبل الله ولا تفرّقوا، ومن الاعتصام بحبله لزومُ جماعة المسلمين وإمامِهم قال ﷺ «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ» رواه أحمد وهو حسن لغيره (محققو المسند). وقال ﷺ لحذيفة حين سأله ماذا يفعل إن أدرك الدعاة الذين يدعون إلى جهنم، قال ﷺ «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» متفق عليه.
والحذرَ الحذرَ من حروبِ الشائعاتِ والتحريضِ، ومحاولاتِ نشرِ روح الكراهية والبغضاء والعداوةِ بين الراعي والرعية التي يشنّها أعداءُ عقيدتنا، وحسّادُ نعمتِنا عبرَ وسائلِ التواصل الحديثة، يستهدفون بها أمنَنا ووحدةَ صفِّنا.
ولْنُرَبِّ أبناءَنا وبناتِنا في البيوتِ على محبةِ ولاة الأمر بذكر محاسِنهم، ونشرِ مآثرهم، وتذكيرهم بما كانت فيه البلاد قبل توحيدِ المملكة على يد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله من الجوع والخوف والجهل، وما آلت اليه بفضل الله تعالى من الأمنِ الوارفِ والعيشِ الرغيد، وليسمعوا منكم كثرةَ الدعاءِ لولاةِ الأمور حتى يألفوه ويتربَّوا عليه، ويعلموا أنَّ من عقيدتنا الدعاءَ بالصلاح لولاة الأمور.
ولنأخذْ بأيديهم على التمسكِ بعقيدة التوحيد، عقيدةِ السلف الصالح، وقوةِ الإيمانِ بالله تعالى، والمحافظةِ على الواجبات الشرعية، والتحلي بالأخلاقِ الحميدة، حتى ينشؤوا نِشْأةً وسطيةً معتدلة بعيدين عن الغلو والتطرف والأفكار الإرهابية، وبعيدين عن الإلحادِ والشكِ في الغيب والعياذ بالله، وبعيدين -ذكوراً وإناثاً- عن انحلال الأخلاق، وخلعِ جلبابِ الحياء، والسقوطِ في الرذائل والفواحشِ ومقدماتها.
ولنحرصْ على تربيتهم على اغتنامِ أعمارِهم في تحصيلِ العلوم النافعة، والخبراتِ اللازمة، التي تعينهم على الإسهام في خدمة دينهم، وتحقيق آمال القيادةِ فيهم، وحمايةِ وطنِهم -وطنِ الإسلام والسنة- مِن كل مَن يسعى في أذيته، وإلحاق الضررِ به وبأهله.
إخوة الإيمان: إنه بالجد في تربيةِ الأبناء والبنات، والصدقِ في الدعاء لهم، والإحسانِ في توجيههم سنرى فيهم ما نحب -بعدَ فضلِ الله-، وسنبلغُ فيهم ما نؤمل بإذن الله.
معاشر المؤمنين:
صلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعالمين، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين.اللهم آمِنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك، وأيدهم بتأييدك، وأصلح لهم البطانة يا رب العالمين.رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
عباد الله: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
فندق رويال قرين، حي موكا (مكة)، جزيرة موريشيوس.
الاثنين 13/03/ 1446هـ