العنوان : من خدمات الدولة السعودية لحجاج بيت الله الحرام خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن المساجد هي بيوت الله في الأرض وهي أحب البقاع إلى الله وقد أذن أن تبنى وترفع ليعبد فيها وحده ويذكر فيها اسمه وأن يُسبح له فيها بالغدو والآصال.
كما قال تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وإن أشرف المساجد وأعظمها وأجلها هما الحرمان الشريفان المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم وهو أول بيت وضع للناس في الأرض والصلاة فيه بمائة الف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي الذي بناه محمد صلى الله عليه وسلم وأسسه على التقوى من أول يوم والصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه.
وعمارة المساجد العمارة الحسية بالبناء والعمارة والصيانة والقيام على خدمتها تنظيفا وتطهيرا وتطييبا من أجل الأعمال الصالحة لمن حسنت نيته، كما أن عمارتها العمارة المعنوية بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن فيها وعقد مجالس العلم ودروسه هو الغاية من بنائها. قال تعالى {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) }
وقال تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} وقال تعالى {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِي ، وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ: «كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا».
فهذه الأدلة وأمثالها تؤكد على عظم شأن العناية ببيوت الله وإعدادها وتهيئتا لعمارها وقاصديها لعبادة الله فيها.
فهنيئاً لمن قام بذلك يبتغي الأجر والثواب من الله فإن إجلالها وتعظيمها وتوقيرها هو من تعظيم الله وإجلاله لأنها بيوته أضافها الله إلى نفسه إضافة تكريم وتشريف كما قال تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} وقال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
عباد الله:
إننا نحمد الله تعالى ونثني عليه أن وفق ولاة أمورنا للعناية ببيوت الله عامة والعناية بالحرمين الشريفين خاصة فقدمت لهما ولقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزوار من الخدمات الكبيرة الجليلة التي ينبغي ان تذكر وتنشر وتذاع وتشاع لشكرهم والدعاء لهم وقطع ألسنة المغرضين الجاحدين أهل الفضل فضلهم.
بارك الله في جهودهم وشكر سعيهم وزادهم توفيقاً وتسديداً وتأييداً. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله ثم إنه سبقت الإشارة إلى أن الدولة السعودية وفقها الله قامت وتقوم بجهود عظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وخدمة حجاج بيت الله تعالى، وإليكم نبذة من تلك الجهود على سبيل الإشارة والاختصار فمنها نشر الأمن في أرجاء الجزيرة العربية عامة وفي المشاعر المقدسة خاصة فصارت رحلة الحج رحلة آمنة مطمئنة بعد أن آلت مقاليد حكم الحرمين الشريفين إلى الملك عبد العزيز رحمه الله وكانت قبل ذلك رحلة محفوفة بالمخاطر حتى كان يهلك كثير من الحجاج بسبب الجوع والعطش وافتراس السباع ، وبسبب قطاع الطرق الذين كانوا يجدون في موسم الحج فرصة لهم إذ يسطون على القوافل لسلبهم ونهبهم وبيع أطفالهم ونسائهم وإزهاق أرواحهم. بل كانت بعض هذه الجرائم تقع في داخل مكة وحرمها دون رادع ولا مانع من دين ولا خلق ولا حكم ولا سلطة. فأزال الله تلك الغمة بعبد العزيز وبأبنائه البررة من بعده إلى يومنا هذا والحمد لله.
ومنها العناية التامة بالتوحيد والمحافظة على صفاء الإسلام ونقائه من البدع والمحدثات فأبطل الملك عبد العزيز الفُرقة التي كانت في المسجد الحرام حيث كان كل أتباع مذهب من المذاهب الاربعة يصلون لوحدهم في الفروض الخمسة فجمع الجميع وراء إمام واحد بعد فُرقة دامت أكثر من ثمانمائة سنة والحمد لله.
كما أزال القباب والأضرحة التي كانت مبنية على القبور امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وإزالة لأسباب الشرك ومظاهر الغلو في قبور الصالحين.
واقيمت الحدود الشرعية وظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقامت دروس التوحيد والعقيدة فجدد الله به ما اندثر وخفي من معالم الدين الصحيح والحمد لله على فضله ونعمائه.
ومن خدمات هذه الدولة الموفقة لحجاج بيت الله ما توفره من العناية الفائقة للحفاظ على صحتهم وسلامة أبدانهم فأنشأت المستشفيات الكبيرة في مكة والمدينة وفي المشاعر المقدسة وفتحت مئات المراكز الصحية المساعدة المساندة كما أنها تجري العمليات ذات الكلفة المادية الباهضة مجانا بلا مقابل كعمليات القلب المفتوح والقسطرة وغسيل الكلى وغير ذلك. كما أنها تنقل عبر سيارات الإسعاف المرضى المنومين فتقف بهم في عرفة حتى لا يفوتهم الحج إحسانا منها لحجاج بيت الله وطلباً للأجر والمثوبة.
ومن خدماتها الجليلة نشرها لعشرات الألوف من رجال الأمن لخدمة الحجاج ومساعدتهم وإعانتهم في وسط الحشود الضخمة لحفظ أرواحهم يحملون الضعيف ويساندون المعاق ويخففون عنهم وطأة الشمس والحر بالماء إلى غير ذلك من كبير الخدمات وصغيرها. ودولتنا وفقها الله في ذلك كله لا تفرق بين الحجيج فالحجاج كلهم سواء في نظرها لهم حق الخدمة وحسن الضيافة بغض النظر عن جنسياتهم أو مذاهبهم أو علاقات بلدانهم السياسية. ولنا في تعامل دولتنا مع حجاج إيران خير مثال وشاهد.
أيها الإخوة لو ذهبنا نعدد ما تقدمه الدولة وفقها الله من الخدمات لحجاج بيت الله لطال بنا المقام ولكن هذه لمحة موجزة من باب التذكير بنعمة الله علينا بهذه الولاية المباركة لندعو لها ونشد من أزرها ونتعاون معها على البر والتقوى. ولنسكت بذكر هذه الفضائل كل لسان لا يتحرك إلا بسبها وعيبها وكتمان حسناتها والله حسبنا ونعم الوكيل.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى خلفائه الراشدين وأزواجه وذريته وسائر أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمننا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وانصرهم بنصرك، اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خيرا على هذه الخطبة الطيبة
حفظ الله لنا ديننا وبلادنا وولاة أمرنا من كيد الكائدين وحقد الحاقدين