جديد الإعلانات :

العنوان : وقفات مع حديث نبوي عظيم حول التكفير

عدد الزيارات : 1842

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه
أما بعد:
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردءاً للإسلام غيّره إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك. قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: بل الرامي) رواه ابن حبان في صحيحه.وقال ابن كثير عن إسناده هذا إسناد جيد ، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد  وصححه الألباني رحمهم الله.
أيها القراء الكرام إن هذا حديث عظيم القدر لأنه يشخص مرضاً من أفتك أمراض العصر، ألا وهو مرض التكفير بغير حق، ثم ما ترتب على التكفير من استحلال الدماء والأموال وإشاعة الفوضى والرعب في بلاد المسلمين.
ولنا معه في هذا المقام عدد من الوقفات:
أولاً: إن نبي الله صلوات الله وسلامه لم يكن ينطق عن هوى بل كان ما جاء به وحي أوحاه الله إليه والله علام الغيوب لا تخفى عليه خافية ماضية أو حاضرة أو مستقبلة.
وقد سبق في علمه سبحانه أن سيكون في هذه الأمة من سيكفر المسلمين بغير حق ويسفك دماءهم بغير حق فلذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة حتى نكون على بينة وبصيرة منها فلا تجرفنا تياراتها ولا تهلكنا أعاصيرها حيث نرى أنها الحق وأن ما خالفها هو الباطل.
ثانياً: هذا الرجل الذي تخوفه علينا النبي صلى الله عليه وسلم كان من شأنه أنه قرأ القرآن أي حفظ حروفه وأتقن قراءتها وكان ردءاً للإسلام أي صاراً ناصراً للإسلام ومدافعاً عنه وذاباً عنه بأي نوع من  أنواع النصرة بتعليمه القرآن أو جهاده بالقلم أو بالسيف أو بغير ذلك من الوسائل. ولا شك أن فتنة هذا الصنف أعظم من فتنة غيره لأنه محسوب على الإسلام، يتكلم بلسان الدين، ويلبس عباءة الدين، فالناس أسرع له تصديقاً، وأعظم به ثقة، بخلاف من عرف بتهتكه وفجوره وفسوقه وانسلاخه فهذا لا يقبل منه ولا يلتفت إليه ولا يؤبه به بل لا يزيده حربه للدين إلا مقتاً عند الناس وانحطاطاً في أعينهم.
ثالثاً: هذا الرجل بعد أن قرأ القرآن وصار منه ما صار من خدمة الإسلام غيره إلى ما شاء الله أما تغيير حروفه فلا يستطيع لأنه سرعان ما يفتضح فالقرآن محفوظ ولو غيرت نسخه أو عشر أو مئة فكتاب الله محفوظ في المصاحف وفي الصدور والحمد لله كما قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ويدخل القرآن في الذكر دخولاً أولياً.
ولكن هذا الرجل غيّر تأويل القرآن وحرف معانيه ونزل آياته على غير محاملها الصحيحة، ومن ذلك مثلاً أن جعل الكبائر بمنزلة الكفر فكفر بالمعاصي، وبناء على ذلك تجده يكفر المسلمين بغير حق.
ومن ذلك مثلاً أن يفسر الآية تفسيراً مجملاً عاماً مع أنها تحتمل أكثر من معنى لا يستقيم المعنى الصحيح لها إلا بالتفصيل مثل قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) فيفسرها تفسيراً عاماً فيكفر كل من حكم بغير ما أنزل الله وهذا من أبطل الباطل إن العالم المجتهد إذا أفتى وأخطأ في فتواه فقد حكم بغير ما أنزل الله فهل يكون بذلك كافراً معاذ الله. بل هو مأجور عند الله أجراً واحداً لاجتهاده.
إن السلف الصالح فسروا هذه الآية بما مقضاه أن الحاكم يكفر إذا حكم بغير ما أنزل الله إذا كان مستحلاً والعياذ بالله أما إذا لم يستحل فهو من باب كفر دون كفر كما قاله ابن عباس وغيره أي كفر لكنه دون الكفر الأكبر، أما إذا كان خطئاً في الاجتهاد من له حق الاجتهاد فهذا مأجور على اجتهاده مغفور له خطأه.
ومن أمثلة تحريف معاني القرآن عند هذا الصنف من الناس أن يأتي إلى النص الشرعي الذي يخاطب ولاة الأمور فينزله الواحد منهم على نفسه ومثال ذلك أن الله تعالى قال في كتابه (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) فيقوم الواحد منهم وهو في ظل دولة لها إمام فيحرض الناس على ما يسميه هو جهاداً بدون أن يخوله ولي أمر المسلمين بذلك ويقول أنا أمتثل قول الله تعالى (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) ولا شك أن هذا باطل من القول وإذا أردت أن تعرف بطلانه فانظر هل كان الصحابة يعلنون الجهاد من عند أنفسهم أم كانوا ينتظرون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يجاهدون بأمره ويكفون بأمره . أفهؤلاء القوم أحرص على تطبيق القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا . ولكن منع أولئك العلمُ والتقوى والوقوفُ عند حدود الله.
إن الله خاطب نبيه بالتحريض على القتال باعتبار أنه ولي أمر المسلمين وإمامهم ، وهو خطاب من بعده لأولي الأمر فأمر الجهاد موكول إليهم باتفاق الأئمة قال صلى الله عليه وسلم (الإمام جنة يقاتل من ورائه).
ومن أمثلة تغيير معاني القرآن أنهم يجيئون إلى آيات النهي عن موالاة الكفار فأدخلوا في الموالاة المحرمة التعامل المباح الذي دل الكتاب والسنة على إباحته، فإذا تعاقدت الدولة المسلمة مع الدولة الكافرة قالوا هذا كفر وردة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة أبرم اتفاقية حسن الجوار مع يهود المدينة ثم أبرم عهد الصلح مع مشركي قريش في الحديبية.
وإذا حصل التبادل التجاري مع الدولة الكافرة قالوا هذه موالاة وحرموا على الناس شراء المنتجات التي تأتي من دول الكفر مع النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي اشترى منه ثلاثين صاعاً من شعير فلم يكن عنده قيمته فرهن لديه درعه صلوات الله وسلامه عليه.
فهذه بعض صور تغيير معاني القرآن الكريم التي ضلوا بسببها وأضلوا كثيراً ممن لا فقه عنده ولا علم ولا بصيرة.
رابعاً: هذا التغيير لمعاني القرآن ولأحكام الشريعة له سببان رئيسان الأول: الجهل وسبب الجهل هو عدم تلقي العلم على أهل العلم والسنة بل يرمي الشاب نفسه على جهال مثله يتلقى على أيديهم. أو ينعزل على كتبه يقرؤوها دون وعي ولا بصيرة والله أمرنا بالرجوع إلى أهل الذكر أما تلقي العلم عن طرق الكتب وحدها أو الأشرطة وحدها أو مواقع النت وحدها ونحو  ذلك فهذه لا تخرج إلا جهالاً ضلالاً إلا من عصمه الله تعالى.
إن كثيراً ممن يقتدي بهم بعض شبابنا وفتياتنا هم في الأصل من الجهال الذين لم يتلقوا العلم الشرعي على أهله بل إن فتشت اكتشفت بأن هذا تخصصه في الزراعة وذاك تخصصه في التجارة وإدارة المال والثالث تخصصه في علم النفس والرابع تخصصه  فن و تمثيل والخامس تخصصه عربدة وتفحيط وبين عشية وضحاها وإذا هم أصحاب فتوى وتوجيه وصاروا مرجعاً للناس تعقد لهم المحاضرات والدروس وتصدر لهم الأشرطة وأصبح لهم جمهور عريض ترد من أجل كلماتهم فتاوى أهل العلم بل ترد لأجلهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
السبب الثاني: الهوى فبعض الناس يكون عنده علم لكنه يفتقد المصداقية فيحرف معاني الشريعة لمصلحة شخصية أو مصلحة حزبية والعياذ بالله ولهذا تجد هذا الصنف كثيري التلون والتشكل كل يوم لهم وجه كل يوم لهم موقف، لا أقول في المسائل الفقهية التي يدخلها الاجتهاد ولكن في المسائل العقدية المحسومة التي لا تقبل إلا التسليم والانقياد.
فعلى المسلم أن يجتهد في طلب العلم قبل أن يتكلم في دين الله، وعليه أن يلتزم الصدق والتقوى وأن يمشي على مقتضى العلم لا الهوى.
خامساً: من هنا ندرك أن حفظ القرآن وحده لا يكفي، بل لابد من شيء هو أعظم من الحفظ ألا وهو الفقه فيه ومعرفة أحكامه ومعانيه، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعون بين الحفظ والعلم فإذا تعلموا بضع آيات لم يتجاوزوا تلك الآيات حتى يتعلموا فقهها وأحكامها فجمعوا بين العلم والعمل والإيمان.
وليس معنى كلامي التهوين من شأن حفظ القرآن معاذ الله ولكن التنبيه إلى ضرورة الجمع بين الحفظ والفهم حتى لا ينزل القرآن على غير منازله. والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أبرز صفات الخوارج قراءة القرآن دون فقه ولا فهم يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم.
سادساً: هذا الرجل الذي تخوفه علينا النبي صلى الله عليه وسلم  لم يكتف بأن ضل في نفسه بل تعامل مع الناس على ضوء ذلك الضلال فقام على جاره أي أخيه المسلم فكفره أي بغير حق ولم يكتف بذلك بل قام عليه بالسيف فقتله فأي فساد بعد هذا.
هذا الذي كان ينظر إليه بالأمس نظرة احترام وتوقير وتقدير يقوم على من كان يوقره لفضله وقراءته القرآن فيقتله معتقداً كفره ولم يقف الأمر عند قتل جاره وأخيه ، بل وصل الأمر إلى أدهى من ذلك لقد افتخر بعض هؤلاء بأنه ذبح أباه وأمه في الله تعالى. نعم وصل الحال ببعضهم إلى هذه الدركة والعياذ بالله. ذبح أبويه وهما من أهل لا إله إلا الله ولم يكن لهما  ذنب إلا أنه اعتنق فكر التكفير فكفر أباه وأمه ثم تقرب إلى الله بسفك دمائهما تدليلاً على أنه لا تأخذه في الله لومة لائم وتأكيداً على أنه لا يحابي في دين الله أحداً ولو كان أباه أو أمه فهل رأيتم أو سمعتم بمثل هذا الضلال والانحراف. فأين هذا من الأمر بالإحسان إلى الوالدين ولو كانا مشركين ولو جاهداك على أن تشرك بالله كما جاء به نص الكتاب الكريم.
انظروا إلى هذه الفئات اليوم كيف كفرت العلماء وولاة الأمور ورجال المباحث ورجال الأمن بل المجتمع كله عند بعضهم ثم استحلوا سفك دمائهم. إنه الأمر نفسه الذي تخوفه علينا النبي صلى الله عليه وسلم وصدق الله وبلغ رسوله عليه الصلاة والسلام.
سابعاً: في الحديث تحذير بالغ لكل من تسول له نفسه أن يكفر المسلمين بغير حق بأنه الأحق بالكفر والأولى به والعياذ بالله فإن من كفر مسلماً بغير حق رجع تكفيره عليه فليقدم أو ليحجم.
ثامناً: على المسلم أن يتبصر في هذا الفكر وفي رموزه وفي تنظيماته وليرجع إلى كبار العلماء فإننا نعيش فتنة عامة جرفت كثيراً من الناس لا سيما من الشباب.
تأملوا في هذه التنظيمات ماذا جرت على المسلمين من الويلات ماذا جرت عليهم من الفتن والدمار؟!
سلوا أنفسكم هل استفاد منهم المسلمون؟ هل حرروا فلسطين؟ هل رفعوا الظلم عن المستضعفين؟ هل أعانوا المنكوبين؟ هل عمروا المساجد وشيدوا المدارس؟ هل نشروا التوحيد وحاربوا لبدع ؟ هل فتحوا للإسلام بلاداً جديدة؟ هل هيئوا للمسلمين حياة سعيدة؟ هل ازداد المسلمون بسببهم ألفة ومحبة وترابطاً وأخوة ؟.
أم أنهم ما دخلوا بلدة إلا أفسدوها وفرقوا كلمة أهلها وأشاعوا الفتنة والخراب في أرجائها وتعاونوا مع كل مفسد مجرم فصاروا بذلك ذريعة لأعداء الإسلام للإفساد في أرض المسلمين.
تأملوا في مكايدهم ومخططاتهم وتفاهة أفكارهم بالأمس يقولون أخرجوا المشركين من جزيرة العرب واليوم يقولون دمروا آبار النفط وأدخلوا المشركين جزيرة العرب؟ لماذا؟ حتى يفتكون بهم بزعمهم ؟ سلوهم هل استطاعوا أن يحرروا أفغانستان  حتى يزعموا أن في قدرتهم إخراجَهم من جزيرة العرب بعد أن يستدرجوهم إليها ؟ فأين العقول أين البصائر؟ أين التجرد للحق؟
أيها الإخوة من المستفيد لو تمت هذه المؤامرات التي تحاك ضد بلادكم وأوطانكم  من؟ والله لن يستفيد منها إلا اليهود والصهاينة وأذنابهم.
وقبل أن أختم أحب أن أطرح عليكم سؤالاً بالغ الأهمية أتدرون من هو هذا الرجل الذي خافه علينا الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
إنه ليس شخصاً واحداً بعينه ولكنه كل من انطبقت عليه هذه الصفات فاحذر أخي الكريم أن تكون هو.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
علي بن يحيى الحدادي
إمام وخطيب جامع أم المؤمنين بالرياض

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *