جديد الإعلانات :

العنوان : النهي عن قيل وقال

عدد الزيارات : 15927

3- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” كان ينهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال، وعن منع وهات وعقوق الأمهات وعن وأد البنات” متفق عليه واللفظ للبخاري

ترجمة الراوي:

المغيرة بن شعبة بن مسعود بن مُعَتِّب الثقفي صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة مات سنة خمسين على الصحيح. ع

معاني المفردات:

قِيْل وقال: أي نقل الكلام الذي لا تُعرف صحته وصدقه.

منع وهات: أي منع ما أُمر بإعطائه، وطلب ما نُهي عن طلبه.

وأد البنات: دفنهن أحياء.

المعنى الإجمالي للحديث:

ينهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن ست خصال مذمومة لما فيها من الضرر الخاص والعام.  وهي نقل الكلام دون تثبت ولا تحر عن مصداقيته وثبوته، وإضاعة المال الذي به قيام معايش الناس وحياتهم، وكثرة الأسئلة التي لا نفع فيها، وأن يمنع الإنسان مالاً أو شيئاً امر بإنفاقه وبذله، أو طلبه مالاً أو غيره مما نهي عن طلبه، كما نهى عن عقوق الأمهات ونص عليهم لضعفهن وعظم حقهن وإلا فعقوق الأب محرم أيضاً كعقوق الأم. وكما نهى عن أذى الأمهات فقد نهى أيضاً عن أذى البنات فنهى عن العادة الجاهلية القبيحة وهي قتلهم بناتهم بدفنهن أحياء والعياذ بالله خوفاً من الفقر أو خوفا من العار.

ما يستفاد من الحديث:

  • على كل ٍّ من المسلم والمسلمة التفكر والتأمل في الكلام قبل النطق به لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فالكلام من عمل العبد الذي يحاسب عليه ويجازى به يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
  • من الغلط أن يتحدث الإنسان بكل ما سمع أو قرأ لأن الناس تتناقل الأخبار الكاذبة بقصد وبغير قصد فإذا نقلت كل ما سمعت دون تحقق فستنقل الكذب وتتحدث به وقد قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم في المقدمة.
  • ينبغي أن يتحرى المسلم في كل ما ينقل عنه غيره وتتأكد المسؤولية في مواضع ومنها:
  • نقل الكلام المتعلق بالأحكام الشرعية لأنه من القول على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز نسبة شيء إلى الله والى رسوله الا بعد التثبت والتحقق.
  • النقل عن العلماء بأن فلاناً أفتى بكذا أو قال كذا لأن العلماء هم المبلغون عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولأن النقل عنهم قد يكون فيه ما يستلزم تنقصهم وازدراءهم وبغض القلوب لهم فيكون في التنفير عنهم تنفير عن الدين والعلم الشرعي.

  • النقل عن ولاة الأمور من الحكام والأمراء ونحوهم ولا سيما في أوقات الفتن فإن الناس تتناقل عنهم كثيراً من الأخبار التي توغر الصدور عليهم وتمهد للخروج عليهم فيحصل بسبب هذه الأخبار من الفساد والشرور ما لا يعلمه إلا الله.
  • ما يتعلق بأمور السياسة والأمن والخوف ولا سيما في أوقات الفتن فإنها بيئة خصبة لنمو الإشاعات وتكاثرها فلا يصح ترويجها بل يجب القضاء عليها بالسكوت عنها وردها إلى الجهات المسؤولة المعنية لتدرسها وتتعامل معها بما تقتضيه المصلحة وقد ذم تعالى من يتناقل هذا النوع من الأخبار وأمر بردها إلى أولي الأمر فقال سبحانه وتعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83]
  • المال من النعم العظيمة وقد سماه الله خيراً فقال (وإنه لحب الخير لشديد) يعني المال. وبه قيام الحياة ومصالحها كما قال تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) وهو اختبار وابتلاء فلا يحل اكتسابه من وجه حرام كالربا والسرقة والرشوة ، ولا يجوز انفاقه في مصرف حرام كشراء آلات المعازف والخمور وكتب البدع ، ولا يجوز منع الحقوق الواجبة فيه كالزكاة الواجبة والنفقات الواجبة.
  • لإضاعة المال صور عديدة ومنها إنفاق شيء منه ولو قليلاً فيما حرم الله تعالى، ومنها الإسراف والتبذير وهو مجاوزة الحد المتعارف عليه في شراء الملابس والمراكب ونحوها وفي الضيافة ونحو ذلك. قال تعالى (ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً).
  • السؤال من وسائل تحصيل العلم وقد قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقد جاء جبريل عليه السلام يعلم الناس دينهم عن طريق أسئلة طرحها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الأسئلة على نوعين

النوع الأول :

أسئلة محمودة يشكر أهلها وهي الأسئلة التي تكون بقصد التعلم ، وتكون  عما ينفع المسلم، وتكون موجهة لأهل الذكر والعلم ،قد كان الصحابة يسالون النبي صلى الله عليه وسلم عما يشكل عليهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم وربما تولى الله الإجابة بنفسه الكريمة فينزل الإجابة قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.

النوع الثاني:

أسئلة مذمومة، وهي الأسئلة التي يراد بها إظهار السائل فضل نفسه، أو يريد بها تغليط المسؤول وإظهار عجزه وجهله، أو السؤال عما لا ينفع ، أو السؤال عن القضايا التي لم تقع وإنما هي مجرد تخيل وتوقع ، أو السؤال في زمن نزول الوحي عن شيء حلال فحرم من أجل سؤاله أو شيء كان فيه سعة فضيق وشدد على الناس بسبب سؤاله.

  • في قوله صلى الله عليه وسلم (ومنع وهات) النهي عن خصلتين متقابلتين وهما:

أن يمنع المسلم ما يجب عليه بذله ، أو يطلب ما يحرم عليه طلبه.

فمنع الزكاة الواجبة وعدم إعطائها مستحقيها كبيرة من كبائر الذنوب وقد توعد مانعها بالعقوبة العاجلة في الدنيا بأخذها منه بالقوة وتغريمه شطر ماله، وبالعذاب البرزخي في القبر والعذاب بعد البعث في عرصات القيامة والعذاب بعد ذلك في النار والعياذ بالله كما قال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها وجوههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون).

ومن المنع المحرم أيضاً أن يحبس النفقة عمن تجب عليه نفقته كالزوجة والأولاد والدواب التي يملكها قال صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثماً أن يضيق من يقوت) رواه مسلم وأبو داود واللفظ له.

وقال صلى الله عليه وسلم : «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» متفق عليه.

ومن الطلب المحرم أن يطلب المسلم تعلّم العلوم الضارة كعلم السحر والكهانة قال تعالى فيمن يطلب تعلم السحر (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر).

ومنه أيضاً أن يطلب مال الرشوة ـ أو الزيادة الربوية إذا داين الناس.

ومنه أيضاً أن يسأل الناس من غير حاجة حقيقية وإنما يريد التكثر وزيادة المال وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم) متفق عليه من حديث ابن عمر.

  • في الجملة الأخيرة ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وأد البنات وهي عادة قبيحة كان يفعلها بعض العرب فكانوا يدفنون بناتهم أحياء إما خشية الفقر وقلة ذات اليد وإما يخشى أن تكبر الفتاة فتفعل فاحشة، أو تكون حرب فتسبى فتلوث عرضه وسمعته بذلك فيدفنها استباقاً لهذا المكروه المتوهم، قال تعالى: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت” قال ابن عباس: هي المدفونة.

والشارع الحكيم الرحيم لم يكتف بالنهي عن وأد البنات فقط بل أمر بإكرامهن والإحسان إليهن ووعد من فعل ذلك الجنة والنجاة من النار  فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: جاءتني امرأة، ومعها ابنتان لها، فسألتني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له سترا من النار» متفق عليه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه. رواه مسلم. والله أعلم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *