العنوان : أهمية القدوة الصالحة للفتاة المسلمة خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى واقتدوا بالصالحين من عباده الذين أمرنا بالاقتداء بهم واتباع آثارهم، فإن من سلك سبيل الصالحين صَلَح بفضل الله، ومن سلك سبيل الضالين ضل والعياذ بالله، وقد ذكر تعالى في سورة الأنعام ثمانية عشرَ نبياً ثم أمر نبيه ﷺ بالاقتداء بهداهم قال جل وعلا : {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ” ثم قال تعالى “أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} والأمر هنا للنبي ﷺ ولأمته معه. أي لا تهتدِ إلا بسنتهم وسيرتهم، وأصلُ سنتهم هو الإيمانُ بالله تعالى واليومِ الآخر، وإخلاصُ الدين لله، وعدمُ الإشراك به، وطاعته سبحانه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه واتباع شرعه.
وأثنى الله تعالى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ثم حث هذه الأمة على أن يقتدوا بهم ويتبعوهم وذلك بمدحه وثنائه على من أحسن في الاقتداء بهم واتباع آثارهم فقال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قيل للنبي ﷺ يا رسول الله أي الناس خير؟ قال أنا ومن معي. قال فقيل له ثم من يا رسول الله ؟ قال الذين على الأثر..” الحديثَ. رواه أحمد.
ولما سئل النبي ﷺ عن الفرقة الناجية من التفرق عن الحق في الدنيا ومن النار في الآخرة قال ﷺ : “ما أنا عليه وأصحابي” رواه الترمذي. أي من جعلهم قدوة له فاتبع سنتهم واقتفى أثرهم نجى ومن سلك غير سبيلهم هلك.
وأسوتنا الكبرى وقدوتنا العظمى هو محمد ﷺ كما قال جلّ وعلا : ” {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} فهديه أحسن الهدي وأكمله، وأخلاقه أعظم الأخلاق وأحسنها وأتمها. والدين الذي ارتضاه الله لنا هو ما شرعه لنا على لسانه ﷺ.
فعلى المسلم والمسلمة أن يجتنب ما نهى عنه من العقائد والعبادات والأقوال والأفعال والأخلاق والسلوك. وأن يستقيم على ما شرعه الله تعالى وبلّغنا إياه رسوله ﷺ.
عباد الله:
إن القدوة الحسنة لها الأثر البالغ في تقويم العقيدة والعبادة والخلق والسلوك. وكذلك القدوة السيئة لها الأثر البالغ في الزيغ والضلال في العقيدة والعبادة والخلق والسلوك.
فلنحرص غاية الحرص على أن نقتدي بالمتقين الصالحين من قبلنا ولنحرص أن نكون قدوة صالحة لأزواجنا وبناتنا وأبنائنا وغيرهم كما قال تعالى عن عباد الرحمن أنهم يدعون ربهم فيقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ومعنى هذا الدعاء ارزقنا الاقتداء بالسلف الصالح ممن سبقنا حتى نكون قدوة صالحة لمن بعدنا فإن من خالف هديُه هديَ المتقين قبله من سلف هذه الأمة لم يكن متقياً حقيقة، ولم يصلح أن يكون قدوة لمن بعده.
ولنربط هذا الجيل بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان الذين هم القدوة الحقيقية لكل مسلم ومسلمة حتى ينشؤوا على حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم والحرص على اقتفاء آثارهم لا سيما في الاعتقاد ثم ما يتفرع عنه من العبادات والأخلاق.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي أهليكم وأبنائكم وفي بناتكم خاصة، فإن من الفتن المعاصرة أن يرتبط كثير من الفتيات عبر وسائل التواصل والإعلام الحديث بقدوات لا تصلح أن تكون قدوةً في دين ولا علم، ولا خلق ولا سلوك، إما لفسادها وانحرافها وإما لجهلها وسطحيتها.
إن هذه القدوات قد تزين للمعجبات بهن الإلحاد والبدع والفسوق والتعري والتبرج والاختلاط والتمرد على منظومة القيم والأخلاق، بأسلوب مباشر مرة وبأساليب غير مباشرة في كثير من الأحيان.
معشر الآباء والأمهات: بينوا لفتياتكم خطر اتخاذ هؤلاء قدوة لهن، وآثاره السيئة عليهن، ووثقوا صلتهن بكتاب الله وبسنة رسول الله ﷺ وبسير الصالحين والصالحات من سلف هذه الأمة فسيجدن القدوة الصالحة في العقيدة والإيمان والعبادة والأخلاق.
إن الفتاة إذا تلت كتاب الله وتدبرته وقفت على قصة مريم عليها السلام في عفتها وتحصين فرجها وثباتها حين أتاها جبريل في صورة حسنة وهي في خلوتها حيث لا يراها أحد من الناس فلما رأته استعاذت بالله منه وذكّرته بتقوى الله كما قال تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}
وإذا تلت كتاب الله وجدت الحياء والحشمة في خبر البنتين مع موسى عليه السلام ، في قوله تعالى{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }
وإذا تلت كتاب الله وجدت نموذجاً لامرأة مؤمنة ثابتة على دينها مع كون زوجها ملكاً جباراً محارباً لله ولرسوله، فلما يغرها ملكه ودنياه، ولم يُخِفْها بطشُه وشدةُ أذاه، إنها آسية بنت مزاحم امرأة فرعون التي قال الله فيها {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
وإذا طالعت سير نساء الصحابة وجدتهن مسارعات إلى امتثال أمر الله فما إن نزلت آية الحجاب حتى سارعن إلى لبسه، وكن يشهدن صلاة الفجر متحجبات مع أن الطرق والمساجد لم يكن فيها إضاءة، وإذا احتجبن في الظلمة والغَلَس فكيف هُنّ في وَضَح النهار.
وستجد غير ذلك من الصفات الحميدة والأخلاق النبيلة في العلم والعمل والإيمان ورعاية الأزواج والأولاد والقيام بشأن البيوت مما أثمر مجتمعاً صالحاً قوياً في دينه وأخلاقه.
وهذه هي القدوات الصالحات لبنات المسلمين وفتياتهم، نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياهن بحفظه وأن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
إلى شيخنا الفاضل الناصح د. علي الحدادي وفقه الله تعالى وسدده وجزاه الله تعالى عنا كل خير،
سلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته
ذكرتم ـ أحسن الله تعالى إليكم في خطبتكم الماتعة النافعة إن شاء الله تعالى ـ:
“في خبر ابنتي شعيب مع موسى عليه السلام”، ولقد ذكر ذلك بعض أهل التفسير رحمهم الله تعالى كما أسلفتم؛ ولكن العلامة المفسر عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى ذكر في تفسيره ما يلي:
“وهذا الرجل، أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا، قول لم يدل عليه دليل، وغاية ما يكون، أن شعيبًا عليه السلام، قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين، فأين الملازمة بين الأمرين؟
وأيضا، فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب، فكيف بشخصه؟
ولو كان ذلك الرجل شعيبًا، لذكره الله تعالى، ولسمته المرأتان، وأيضا فإن شعيبًا عليه الصلاة والسلام، قد أهلك الله قومه بتكذيبهم إياه، ولم يبق إلا من آمن به، وقد أعاذ الله المؤمنين أن يرضوا لبنتي نبيهم، بمنعهما عن الماء، وصد ماشيتهما، حتى يأتيهما رجل غريب، فيحسن إليهما، ويسقي ماشيتهما، وما كان شعيب، ليرضى أن يرعى موسى عنده ويكون خادمًا له، وهو أفضل منه وأعلى درجة، والله أعلم، [إلا أن يقال: هذا قبل نبوة موسى فلا منافاة وعلى كل حال لا يعتمد على أنه شعيب النبي بغير نقل صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم]”.
انتهى النقل من تفسير السعدي.
فحبذا ـ حفظكم الله تعالى وزادكم من فضله ـ تراجعون الأمر.
وجزاكم الله تعالى خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاكم الله خيراً على التنبيه وكنت أعلم أنه ليس شعيب النبي ولكن الذي علق في ذهني أن اسمه شعيب ولم أراجع المسألة عند كتابة الخطبة وراجعت الآن جواب شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن كثير فتبين أنه لا يثبت في حديث ولا في أثر ان اسمه شعيب وسيتم حذف التسمية من الخطبة شاكراً ومقدراً لكم.
تتمة لما ذكرت :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «… وهذا كما أنّ الله ذكر في القرآن أنّه أهلك أهل مدين بالظّلّة لما جاءهم شعيب. وذكر في القرآن أن موسى أتاها وتزوّج ببنت واحد منها فظنّ بعض النّاس أنّه شعيب النّبيّ، وهذا غلط عند علماء المسلمين مثل ابن عبّاس، والحسن البصري، وابن جريج وغيرهم كلّهم ذكروا أنّ الّذي صاهره موسى ليس هو شعيبًا النّبيّ، وحكى أنّه شعيب عمن لا يعرف من العلماء ولم يثبت عن أحد من الصّحابة والتّابعين، كما بسطناه في موضعه. وأهل الكتاب يقرّون بأنّ الّذي صاهره موسى ليس هو شعيبًا بل رجل من أهل مدين، ومنهم من يقول: إنّها غير مدين الّتي أهلك الله أهلها، والله أعلم».
[الجواب الصّحيح لمن بدّل دين المسيح (2/ 249 – 250)].
وفقك الله شيخنا الفاضل.
السلام عليكم ، متى سيتم تعديل هذه الخطبة ؟ جزاكم الله خيراً .