جديد الإعلانات :

العنوان : رسالة إلى المتقاعدين، والإشادة بجهودهم (خطبة مكتوبة)

عدد الزيارات : 4120

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وتفكروا في سرعة الأيام والليال، فإنها مُؤْذِنَةٌ بسرعةِ حلولِ الآجال، وانقطاعِ الآمال، والانتقالِ إلى دار الجزاء على الأعمال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18] جعلَ الله خيرَ أعمارِنا أواخرَها، وخيرَ أعمالِنا خواتـِمَها.

أيها الإخوةُ في الله:

لما كان هذا الشهرُ من كلِّ عامٍ يُحالُ فيه عددٌ كبيرٌ من الناسِ إلى التقاعدِ لبلوغهم السنَّ النظاميةَ، كان من المناسبِ أن نستعرضَ في هذا المقام بعضَ الأمورِ والقضايا التي تمس الحاجة إلى طرحها والتذكير بها لعل الله أن ينفعَ بها.

أولاً: ينبغي للمتقاعد أن ينظرَ إلى قرارِ التقاعدِ نظرةً طيبةً متفائلةً، فقد تخفّفَ كاهلُهُ من مسؤوليةِ الأمانة وحِمْلِها الثقيل الذي سيسألُ عنه أمامَ اللهِ يومَ القيامة، فإن كلَّ موظفٍ مسؤولٌ عن دوامِه وواجباتِه وما كُلِّفَ به، هل حفظَهُ أم ضيّعَه.

كما أنه قد تخفّفَ من قيود الوظيفةِ ودوامِها اليومي، وصار حُرّاً طليقاً، وقتُه في يده، يُطوّعهُ بإرادته، ويقضّيه حسْبَ رغبتِه.

كما أنه بهذا القرار قد أفسح المجال لأخٍ له ليحملَ رايةَ البناءِ والنهضةِ مِن بَعدِه، ويواصلَ مسيرةَ خدمةِ دينه ووطنهِ وولاةِ أمرهِ، كما كان قد حلّ هو مكان واحد قبله، فنهضَ بأعباءِ المسؤوليةِ بأمانةٍ واقتدار.

فلا ينبغي للمتقاعدِ أن ينظرَ إلى قرار التقاعد وكأنّه شهادةُ موت، أو صكّ فقر، أو تقريرٌ باكتئابٍ مزمن، أو مستقبلٍ مظلم، بل لينظر إليه وكأنّه جوازُ سفرٍ تسلّمه ليسافرَ به إلى أُفُقٍ أوسع مما كان فيه من الأعمال النافعة، والآمال الصالحة التي كانت الوظيفة تحول بينه وبينها.

ثانياً: يمكن للمتقاعد بعد تقاعده أن يَعْمُرَ وقتَه بالكثيرِ النافع، من تلاوةِ القرآن أو حفظِ القرآن أو حفظِ ما تيسّرَ منه، والقراءةِ في سنة النبي ﷺ وسيرتِه وسيرةِ أصحابِه رضي الله عنهم، ويمكنه أن يبذل الكثير من وقته في الأعمالِ الخيرية التطوعية، وبذلِ المشورة في مجال خبرته لمن يحتاج إليها وينتفعُ بها، وخدمة أهله و”خيركم خيركم لأهله”، وصلةِ الرحم فإنها من أجل الأعمال الصالحة، وتعاهدِ قُدامى الأصدقاء فإنّ حُسن العهدِ من الإيمان، وممارسةِ ما تيسر من الرياضاتِ البدنية لطرد الأمراض الناشئة عن الكسل والراحة، وللاستعانةِ بالصحة واللياقة على طاعة الله والقيام بالأعمال النافعة ديناً ودنيا.

ويمكن للمتقاعد أن ينظر في التجارب الناجحة للمتقاعدين والاقتداء بالحَسَنِ الجميلِ منها مالم يكن فيه معصيةٌ لله أو مخالفةٌ للنظام.

ثالثاً: لا تقارن بين راتبك قبل التقاعد وبعده مقارنةً تبعثك على الحزن والغمّ والهمّ، بل اشكر الله تعالى على ما أنعم به عليك، ومَن شَكرَ اللهَ تعالى بارَكَ له في رزقه، وزادَهُ من عطائه، ووسّع له فيه، ولينظر ْكلُّ امرئٍ إلى مَن هو دونه حتى يعرفَ قدرَ نعمةِ اللهِ عليه.

املأ قلبك رضاً بما قسم الله لك، واملأ صدركَ بقناعةٍ تامةٍ بما أعطاك الله، فالغنى ليس هو كثرةُ المال، وإنما الغنى غنى النفس كما في الحديث الصحيح، ومن أُعطي القناعة فقد أُعطي الحياةَ الطيبة، وهذه المعاني كلُّها لا تمنع أن يسعى المسلمُ في الاكتساب، وزيادةِ الدخل من الوجوه المباحة ما دام قادراً على ذلك.

رابعاً: لا تتحسر على فُرَصٍ ضاعت، وترقيات فاتت، فلو كُتبت لك لما ذهبت لغيرك، كذلك لا تكثر في حديثك مع أبنائك وجلسائك من استجرارِ الماضي المتعلق بإساءة رئيس أو زميل، فلا يَكادُ يسلم أحدٌ من خطأٍ أو تقصير، لأنّ هذا النوع من الحديث إما أن يوقعك في الغيبة المحرّمة، أو أن يُدخِلَ على قلبك وقلوب محبيك الحزنَ والحقد، وكِلَا ذلك لا خيرَ فيه، بل اذكر محاسنَ من تعرف، وخيرَ ما مر بك، وإن كان ولا بدَّ من ذكر بعض الجوانب السيئة فاذكر منها مواضعَ العِظَةِ والعبرةِ فقط، لتستفيد من دروسها الأجيالُ القادمة قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] أقول هذا القول وأستغفرُ الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله. وتذكروا قول النبي ﷺ: “أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ” رواه الترمذي. فمن استكمل الستين فقد دخل في مُعْتَركِ المنايا، فعليه أن يخلعَ رداءَ الغفلة، وليجدّد التوبة، ولْيَسْتَكثرْ من نوافل الطاعات، وليسارعْ إلى الخيراتِ أشدَّ المسارعة، وليكن كالجياد الأصيلة التي تكونُ أسرعَ ما تكونُ حينَ تدنو من نهاية المضمار، وليحرصْ على عملٍ صالحٍ يستمرُّ نفعُه بعدَ موته لئلا ينقطعَ عملُه بموته {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]

أيها الإخوة في الله:

إن من سَفاسفِ الأخلاق ومساوئِها التنقصَ من أقدار المتقاعدين، والسُّخْرِيةَ بهم، فلنترفع عن هذا السقوط الأخلاقي سواء في مجالسنا، أو إعلامنا، أو وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، أو غيرها.

فإن حقهم على المجتمع التوقيرُ والتقديرُ، والشكرُ والعِرفان، فهم الجيلُ السابقُ الذي حمل على عاتقه خلال ثلاثين أو أربعين سنة ماضية مسؤوليةَ البناءِ والنهضةِ والرقي بهذا الوطن. وإن كلَّ ما يتنعم به جيلُ اليومِ من أمنٍ ورخاءٍ، وتعليمٍ ومعرفة، واقتصادٍ وخدمات، وعزٍّ ومجد، إنّ ذلك كلَّه ما تحقق _بعد فضل الله_ إلا بجهودهم وجهود من سبقهم فكيف ينتقصهم منتقصٌ أو يسخرُ بهم ساخرٌ، نعوذ بالله من جُحودِ الفضلِ، ونكرانِ الجميل.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *