جديد الإعلانات :

العنوان : حول قصة تضحية خالد القسري بالمعطل الجعد بن درهم

عدد الزيارات : 2683

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فقد جمعني مجلس ببعض الأفاضل من طلبة العلم ودار الحديث فيما دار حول قصة الجعد بن درهم وكيف الجواب عمن ينكرها أو يشكك في ثبوتها فرأيت أن أراجع المسألة وأن أدون أهم ما يمر بي عنها، وهذا ما تيسر لي الاطلاع عليه:

ذكر بعض من أخرج قصة قتل الجعد بن درهم لأجل التعطيل:

من أخرج القصة ولم يتعقبها بتضعيف أو طعن في ثبوتها جماعة، منهم:

عثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على بشر المريسي (1/580) والرد على الجهمية (21) والبخاري في كتاب خلق أفعال العباد (2/9)، والتاريخ الكبير (1/64) ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (16/137) والخلال في السنة (5/87) والآجري في الشريعة (3/1122) وابن بطة في الإبانة (6/119) واللالكائي (2/319) والبيهقي في الأسماء والصفات (617) والسنن الكبرى (10/205) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14/418) ومن طريقه ابن الجوزي في تاريخه المنتظم (6 /300) ، وأخرجها المزي في تهذيب الكمال (8 / 118)

كلهم من طريق القاسم بن محمد المعمري. وهو صدوق كما في التقريب (ص: 452)

وأخرجها أبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (ص: 54) من طريق عَبَّاس بْن أَبِي شَقِيقٍ. (لم أقف له على ترجمة).

كلاهما عن عبد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: شَهِدْتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْقَسْرِيَّ بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ أَضْحًى، وَقَالَ: ارْجِعُوا فَضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَمَّا يَقُولُ الجعد بْنُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَذبَحَهُ.

وفي هذا السند:

عبد الرحمن بن محمد قال ابن حجر في التقريب (ص:349) مقبول يعني إذا توبع.

وأبوه محمد بن حبيب مجهول قاله ابن منده، وقال أبو حاتم: لا أعرفه، وذكره ابن حبان في الثقات.  الميزان (3/508).

وللقصة طريق آخر فقال الذهبي في كتابه العلو للعلي الغفار بتحقيق الألباني (ص: 131) قرأت في كتاب الرد على الجهمية لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب التصانيف حدثنا عيسى بن أبي عمران الرملي حدثنا أيوب بن سويد عن السري بن يحيى قال خطبنا خالد القسري وقال “انصرفوا إلى ضحاياكم تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد” وذكر القصة.

قال الألباني : وهذا إسناد رجاله موثقون غير عيسى هذا فقال ابن أبي حاتم في “الجرح والتعديل” “3/ 1/ 284”. “كتبت عنه بالرملة، فنظر أبي في حديثه، فقال: “يدل حديثه أنه غير صدوق” فتركت الرواية عنه”. قلت: ولعل روايته عنه هذه القصة، لأنها ليست حديثا مرفوعا” اهـ. والله أعلم.

ب- ممن أورد القصة أو أشار إليها بصيغة الجزم:

1- البغدادي في الفرق بين الفرق 262

2- البغوي في شرح السنة 1/186

3- ابن تيمية في مواضع كثيرة انظر مجموع الفتاوى (2/354) (6/477) (8/142) ودرء تعارض العقل والنقل (5/244)

4- الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 432)، وفي كتابه العرش (2/219) والعلو للعلي الغفار (ص 131) وعقّب في السير على فعل القسري بقوله (قلت: هذه من حسناته، هي، وقتله مغيرة الكذاب)

5- ابن القيم في عدد من كتبه،منها مدارج السالكين (3/ 28) وقال: “فَشَكَرَ الْمُسْلِمُونَ سَعْيَهُ. _يعني القسري_ وَرَحِمَهُ اللَّهُ وَتَقَبَّلَ مِنْهُ”.وقال في نونيته الكافية الشافية (ص:8) “شكر الضحية كل صاحب سنة..لله درك من أخي قربان”

6- ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 148) وقال: “أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَبَّلَ مِنْهُ”.

7- ابن أبي العز في شرح الطحاوية (273)

8- ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/ 102) قال: وله في كتاب خلق أفعال العباد للبخاري قصة قتله الجعد بن درهم.

9- ابن العماد في شذرات الذهب (2/ 112) وقال: (فلله ما أعظمها وأقبلها من ضحية)

10- الألباني كما في موسوعة الألباني في العقيدة (9/ 649) : “أول من دعا مثلاً إلى القول بخلق القرآن هو شخص معروف حتى شو اسمه؟

مُداخلة: الجهم.

الشيخ: الجهم وقتل وذبح، لكن هذا.

مداخلة: الجعد بن درهم.

مداخلة: نعم شيخنا.

الشيخ: هذا ضحي به.

مداخلة: خالد القسري.

الشيخ: أي نعم” اهـ

وأوردها جماعة آخرون من المؤرخين وغيرهم.

ب- من شكك في أن القصد من قتله كان لأجل التعطيل ورجح أنه لقصد شخصي أو سياسي:

1 – المستشرق شارل بلا.

قال في كتابه الجاحظ: (وقد تكون هناك أسباب سياسية أو عداء شخصي بين هشام والجعد لا تشير إليه المصادر، وجعلت هشام بن عبد الملك يأمر بقتل الجعد) عن كتاب مقالة التعطيل لمحمد بن خلفية التميمي.

2 – علي سامي النشار (الأشعري)

قال في كتابه نشأة الفكر الفلسفي 1/331: (لا نستطيع أن نصدق أن قتله -أي الجعد- كان لآرائه الفكرية، بل يبدو أنه لسبب سياسي فإن خلفاء الأمويين وولاتهم كانوا أبعد الناس عن قتل المسلمين في مسائل تمت إلى العقيدة). ولم يورد النشار دليلاً على ما قال كما هو حال المستشرق شارل إلا مجرد التخرص.

3 – شعيب الأرنؤوط

قال في تحقيقه لسير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 432) حاشية (1) متأثراً بكلام النشار فيما يبدو : “ويرى بعض الباحثين المعاصرين أن قتل الجعد كان لسبب سياسي لا لآرائه في العقيدة، ويعلل ذلك بأن خلفاء بني أمية وولاتهم كانوا أبعد الناس عن قتل المسلمين في مسائل تمت إلى العقيدة” اهـ .

4 – بشار معروف

فقد أحال إلى كلام شعيب المتقدم آنفا في تحقيقه لتهذيب الكمال (8/118) وألمحا إلى ضعف القصة بالتعليق بأن في إسنادها من لا يعرف دون إشارة إلى توارد علماء السلف على ذكرها في كتبهم دون تضعيف أو تشكيك. كما أشار د. بشار إلى الملحظ السياسي الذي صرح به النشار فقال ” وأخبار خالد القسري كثيرة وسيرته مشهورة، وينبغي دراسة أسانيد الروايات المتصلة به. واعتبار الظروف السياسية آنذاك”.

ج- من توقف في صحة القصة من أصلها بالنظر إلى إسنادها:

جاء في موسوعة الألباني في العقيدة (6/ 127) ما يلي: مداخلة: يقول السائل: ما مدى ثبوت قصة قتل خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم؟

الشيخ: هذا كما قلت لما ذكر آنفًا عن الإمام أحمد: يروى دون إسناد ويذكره أهل السنة كقضية مُسًلَّمة، فأنا شخصيًا أقول: الله أعلم إن صح أو لم يصح، ولا يترتب من وراء تصرف ذلك الأمير لقتل الجعد حكم شرعي مطلقًا، فقد يصح وقد لا يصح” اهـ قلت وقد تقدم قريبا النقل الآخر عنه الذي فيه جزمه بقتل الجعد.

والخلاصة:

1- لم أطلع على من أنكر أو حتى شكك في كون الجعد مات مقتولاً وأن قاتله خالد القسري لا من المحدثين ولا المؤرخين.

2- أن أسانيد القصة لا تخلو من ضعف. ولكن لم يزل العلماء من زمن البخاري يخرجونها ويذكرونها في كتبهم دون تكذيب أو تضعيف أو قدح سواء من أخرجها بإسناده أو من أوردها دون إسناد وكأنهم اكتفوا بشهرتها وشيوعها عن أسانيدها. كما قال الذهبي في تاريخ الإسلام (7/ 338) : “ويروى أن خالد بن عبد الله القسري خطب الناس يوم الأضحى بواسط، وقال: ضحوا يقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه. وهذه قصة مشهورة رواها قتيبة بن سعيد، والحسن بن الصباح، وعثمان بن سعيد الدارمي، عن ابن أبي سفيان المعمري” اهـ والمعمري هو القاسم بن محمد الذي تقدم ذكره.

3- أن من شكك في قصد بني أمية في قتله لم يذكروا حجة على قولهم، إلا سوء الظن ببني أمية، والعجب أنهم لم يستثنوا أحداً من خلفاء بني أمية حتى معاوية رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكان يسعهم ما وسع أهل العلم من عصر البخاري إلى زماننا ممن نقلوا الخبر على ما هو عليه دون تأويل لقصد الأمير خالد القسري الذي صرّح به على مسامع الناس في يوم العيد والله أعلم.

تم المقال والحمد لله رب العالمين

د. علي بن يحيى الحدادي

5 ربيع الاول 1437هـ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *