جديد الإعلانات :

العنوان : الحث على استغلال ما بقي من رمضان (خطبة مكتوبة)

عدد الزيارات : 5083

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} واعملوا الخيرَ عَمَلَ مسابقٍ إليه، مُنافسٍ عليه، كما قال تعالى {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}

واقتدوا في المسارعة إلى فِعلِ الخيرِ بالرسلِ الكرام، والأنبياءِ العظام الذين وصفهم الله بالمسارعةِ إلى الخير، لنقتدي بسنتهم، ونهتدي بهديِهم فقال تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}  وكونوا ممن قال الله فيهم : {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}

عباد الله:

إن العُمرَ قصير، والحياةَ محدودة، والأيامَ تمرُّ مسرعة، ولا فرصةَ للعملِ بعدَ الموت، وإنما ميدانُ العملِ وفرصتُه هي هذه الحياة الدنيا فقط، فالبدارَ البدارَ، والهِمّةَ الهِمّة، باغتنام الأوقاتِ في الأعمال الصالحات.

يا عبدَ الله:

إن كنتَ في صحةٍ وفراغٍ فاعلمْ أنّكِ في نعمةٍ عظيمة، فاحذر أن تُغبنَ فيها، وتخرج منها بالصفقةِ الخاسرة قال ﷺ : “نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحةُ والفراغ” فاعمر فراغَك بالعمل الصالح قبل أن تزدحمَ عليك الأشغالُ فتنسى آخرتَك بشُغلِ دنياك.

واغتنم صحتك باستعمالِها في الطاعاتِ والقربات، قبلَ أَنْ يَفْجأكَ المرضُ فتعجزَ عن كثيرٍ من الخير الذي كنتَ تقدرُ عليه أيامَ صحتك.

يا عبد الله:

إن كنت شاباًّ فاعْمُرْ شبابَك بطاعة الله؛ فإن مرحلة الشباب ما هيَ إلا ثوبٌ تلبسُه، ثم قريباً تخلَعُه _إذا فسح الله لك في الأجل_ وتلبسُ بعدَه ثوبَ الشيخوخةِ والكِبَر، فتضعفُ عما كنتَ قادراً عليه أيامَ شبابَك.

يا عبد الله:

إن كنتَ مُمَتّعاً بعقلك وإدراكك، فاستغلَّ هذا النورَ بالعلمِ النافعِ والعملِ الصالح قبل أن ينطفئ نور عقلك، أو يضعفَ بسببِ الهَرَم أو المرض.

وإن كنتَ تعيش في بلدٍ آمن فاستغلَّ الأمنَ والسكينةَ والطمأنينةَ في الإيمانِ والعملِ الصالح؛ فإنّ البلادَ إذا ابتليتْ بالفتنِ طاشتِ العقولُ، وأَذْهَلَها الاختلافُ وتغيرُ الأحوال وسفكُ الدماء وهتكُ الأعراض وسلبُ الأموال، فيُشْغَلُ أكثرُ الناسِ في الفتنةِ عن فعلِ الخيرِ فضلاً عن المسارعة إليه.

إخوة الإسلام:

إن هذ العوارضَ التي تحولُ بينَ الناسِ وبينَ فعلِ الخيرِ قدْ تصيبُنا في أيِّ لحظةٍ من لحظاتِ حياتِنا؛ لذلك أَمَرَنا النبيُّ ﷺ أن نُسارِعَ إلى الأعمالِ الصالحة قبل أن يَفْجَأَنَا شيءٌ منها قال ﷺ  : «اغتنمْ خمْساً قبلَ خمسٍ شبابَكَ قبلَ هَرَمِك، وصحّتَكَ قبلَ سَقَمِك، وغِناكَ قبلْ فقرِك، وفراغَكَ قبلَ شُغْلِك، وحياتَكَ قبلَ موتِك» رواه ابن أبي الدنيا _وحسنه العراقي_. وقال ﷺ «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رواه مسلم.

نسأل اللهَ تعالى أن يَستعملَنا في طاعته، وأن يباعدَ بيننا وبينَ معصيتِه، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروهُ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:

فاتقوا الله معاشر المؤمنين، واعلموا أنّ أَولى الأَشْهُرِ بالمسارعة فيها إلى الخيرِ واغتنام ِكل لحظاتِها شهرُ رمضان، فإنه موسمٌ عظيمٌ من مواسمِ التجارةِ مع الله؛ لِعَظَمِ أرباحِه، فإنه شهرٌ تُضاعفُ فيه الحسنات، وتُكفّر فيه السيئات، وتُرفع فيه الدرجات، وتُفتّحُ فيه أبوابُ الجنات، وتُغلّقُ فيه أبوابُ النار، وتصفّدُ فيه مَرَدَةُ الشياطين، ويَكْثُر فيه عتقُ الرقابِ من النار، فيالَه من موسمٍ عظيم.

إخوةَ الإيمان:

لقد ذهب أكثرُ مِن نِصفِ شهرِ رمضان، وبقيَ منهُ أقلُّ مما ذهب، ولكنّ الباقيَ منه هو خيرُ ما فيه، فإنّكم تستقبلون قريباً العشرَ الأواخرَ منه، وهي خيرُ لياليْ العام، وفيها ليلةُ القدرِ التي هي خيرٌ من ألفِ شهر، فاجتهدوا فيما بقي اجتهاداً صادقاً فإنّ التعبَ يذهبُ ويبقى الأجرُ والثواب، وإنّ المعصيةَ تذهبُ ويبقى الإثمُ والعذاب، وإنّ راحةَ الكسلِ تذهبُ، وتبقى الندامةُ على التفريطِ في يومٍ لا تَنفع فيه (ياليتني) و لا (لو أنّني).

إخوةَ الإيمان:

كلّنا يعلمُ فضلَ الشهر، وكلنا يعلمُ أنه ينبغي علينا استغلالُه، ولكنْ أكثرُنا يسوّف حتى تضيعَ عليه الفرصة، وإن أعظمَ أسبابِ هذا التفريط هو الاغترارُ بالشيطان؛ فإنه حَلَفَ فقال {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} أي لأضلنّهم عن الحق، ولأفتحنَّ لهم بابَ الأماني والأمل، فأقولُ لهم: أَهْمِلوا، وفَرّطوا والله غفور رحيم، فَيزيّنُ للناس فعلَ السيئات، وتركَ الواجباتِ، وتضييعَ الأوقاتِ، اعتماداً على مغفرة الله ورحمته، واللهُ يقول محذراً لنا منه {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}

ومن أمانيهِ لبني آدم أنّه يقولُ لهم استريحوا الآن وانْشَطُوا في العشر الأواخر، فإذا دَخلتِ العشر قال انشطوا ليلة كذا وكذا فهي ليلةُ القدر واستريحوا فيما سواها، وإذا بقي من الشهر أيامٌ قليلة قال لهم: العيدُ على الأبواب فبادروا الأسواق، فتذهبُ الليالي الفاضلةُ والأوقاتُ النفيسةُ في غيرِ ما ينبغي أن يكونَ عليه من أراد التأسي بالنبي ﷺ والسلف الصالح. فلا يزال في غفلة وتسويف حتى يذهبَ الشهر، ولعله لا يدركه مَرةً أخرى والله المستعان.

اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى، اللهم اجعلنا ممن صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً، اللهم وفقنا لعمارة أوقاتنا بالإيمان والعمل الصالح والسعي فيما يرضيك عنا يا رب العالمين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم احفظ حدودنا وانصر جنودنا وثبت أقدامهم وعجّل بنصرهم يا رب العالمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *