العنوان : فضل التعليم وأثر المعلم
كلمة المعلمين في دورة القرعاوي (27) صيف عام 1442هـ.
(فضل التعليم وأثرُ المعلم)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فباسمي واسم جميع زملائي الذين تشرفوا بالتدريس في دورة الشيخ عبد الله القرعاوي في عامها السابع والعشرين، أتقدم بالشكر لمجلس إدارة جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في محافظة صامطة والإدارة التنفيذية على إتاحتهم الفرصة لي ولزملائي للتدريس والتعليم في هذه الدورة المباركة التي نفع الله بها خلقاً كثير في الداخل والخارج والحمد لله على توفيقه ونسأله المزيد من فضله.
أيها الحفل الكريم:
أحب أن أذكر نفسي وزملائي بفضل التعليم وعظم أثر المعلم ليكون ذلك حافزاً إن شاء الله لبذل المزيد من الجهد فإن صفات الرابحين الفائزين أنهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر عليه فأقول مستعيناً بالله:
إن التعليم له مقام كبير في الإسلام حتى قال النبي ﷺ «إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا» رواه مسلم[1] وروي عنه ﷺ بسندٍ فيه ضعف أنه قال «إِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا» رواه ابن ماجه[2].
وقد جاء الترغيب في التعليم والدعوة إلى الخير في أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح قال تعالى {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}
وقال تعالى في وصف إبراهيم الخليل : “إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين” قال ابن مسعود: “الأمة: معلّم الخير”[3].
وقال ﷺ “إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ” أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح غريب ثم قال سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بْنَ حُرَيْثٍ الخُزَاعِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يقول : “عالم عامل معلم يدعى كبيراً في ملكوت السموات”[4].
ومما يدل على أهمية التعليم وعظم شأنه عند السلف قول ابن المبارك رحمه الله: “لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم”[5]
وقال عطاء الخراساني: “أوثق عملي في نفسي نشر العلم”، وقال ابنه عثمان : “كان يجلس أبي مع المساكين، فيعلمهم، ويحدثهم”[6].
وقد ضرب جماعة كبيرة من علماء هذه الأمة أروع الأمثلة في التفاني في التعليم والصبر على التدريس وما حملهم على ذلك إلا يقينهم بما أعد الله لمعلمي الناس الخير من الأجر والثواب، واستشعارهم الأثر الكبير للتعليم في حفظ الدين وحراسته وحمايته من الضياع، وعلى سبيل المثال فقد كان الطيبي رحمه الله يجلس لتدريس التفسير من الصبح إلى الظهر، ثم يجلس لتدريس صحيح البخاري إلى العصر حتى كان يوم 13 شعبان من عام 743 فرغ من درس التفسير ودخل مسجداً يصلي فيه الظهر بجوار بيته ليتهيأ لمجلس الحديث ففاضت روحه وهو ينتظر إقامة الصلاة رحمه الله.
وترجم ابن حجر في الدرر الكامنة أيضاً لعمر بن حسن المراغي فقال ” وَكَانَ صبوراً على الإسماع رُبمَا حدث الْيَوْم الْكَامِل بِغَيْر ضجر”[7].
وترجم أيضاً لعبد الرحيم بن الحسن الأِسنوي[8] فقال: “كَانَ فَقِيها ماهراً ومعلماً ناصحاً ومفيداً صَالحا مَعَ الْبر وَالدّين والتودد والتواضع وَكَانَ يقرب الضَّعِيف المستهان بِهِ من طلبته ويحرص على إيصال الفايدة الى البليد”[9]
وإذا كان أهل العلم من أهل السنة قد عنوا بالتعليم فإن أهل الباطل أيضاً يدركون أثر التعليم في تخريج أجيال تحمل الباطل وتستمر في نشره ومن الأمثلة المؤسفة على ذلك ما نقرؤه في ترجمة المفيد الرافضي المتوفى سنة 413 هـ فإنه كان من أحرص الناس على التعليم، حتى إنه يدور على المكاتب وحوانيت الحاكة، فيتلمح الصبي الفطن، فيستأجره من أبويه فيضله وبذلك كثر تلامذته.[10]
فهذا يبذل وقته وجهده وماله في سبيل نشر الرفض بين أبناء السنة فما أولى أهل الحق أن يشمروا عن ساعد الجد ويتأسوا بأهل العزائم من سلفهم الصالح في القديم والحديث في التعليم والإرشاد والتوجيه، فإن من المشاهد أن بعض حملة العلم إذا طلب منهم التعليم والدعوة تمنعوا وتهربوا واستجلبوا أنواع المعاذير مع أن هذا الوقت من أولى الأوقات بنشر العلم والسنة والعلوم الشرعية واللغوية وتربية النشأ على السنة وعلى الفضيلة، ومن أولى الأوقات بكشف البدع والضلالات والرد على أهلها فإن أعظم الباطل وأشده صار الوصول اليه اليوم في غاية السهولة مع انفتاح العالم بعضه على بعض من خلال وسائل التواصل المختلفة.
أيها الإخوة في الله:
لا ينبغي لطالب العلم أن يحقر نفسه ويتعذر عن التعليم متى أتيحت له الفرصة وتهيأت له الأسباب، فالكلمة الواحدة من المعلم المربي الذي حاز على محبة تلاميذه وثقته قد تصنع منهم أو من بعضهم أئمة وقدوات ومنارات تنتفع بهم الأمة فيكون مشاركاً له في الثواب إن شاء الله، لأنه كان سبباً مباشراً فيه، يقول أبو عامر العقدي: “أنا كنت سبب عبد الرحمن بن مهدي في الحديث، كان يتبع القصاص، فقلت له لا يحصل في يدك من هؤلاء شيء”[11]. فنفع الله ابنَ مهدي بهذه النصيحة وترك القُصاص والتحق بعلماء الحديث وصار أحد كبار الأئمة الحفاظ وأحد الجهابذة النقاد.
ويقول الذهبي الإمام المحدث الشهير عن البرزالي أحد شيوخه: “وَكان هُوَ الَّذِي حبب إِلَيّ طلب الحَدِيث فَإِنَّهُ رأى خطي فَقَالَ خطك يشبه خطّ الْمُحدثين فأثر قَوْله فِي، وَسمعت مِنْهُ وتخرجت بِهِ فِي أَشْيَاء”[12]
فهذه كلمات ربما ما ظنّ قائلوها أن يبلغ تأثيرها ما بلغت في تلاميذهم ومع ذلك كان لها أعظم الأثر كما تبين بعد ذلك من سيرتهم، وبلغوا من الرتبة ما بلغوا.
ولعل من المناسب ذكره في هذا المقام الإشارة إلى البركة والخير الذي أجراه الله على يد من سميت هذه الدورة باسمه وهو الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي رحمه الله فقد جاء إلى هذه المنطقة وهي في حال لا تخفى من انتشار الجهل والأمية وخفاء كثير من قضايا الاعتقاد والعبادات على كثير من أهلها فجدّ واجتهد في التعليم بمؤازرة كريمة من ولاة الأمر من آل سعود أيدهم الله ففتح الله به كثيراً من القلوب وأنار به كثيراً من البصائر وأخرج الله على يديه أعلام هدى نفع الله بهم مشارق الأرض ومغاربها ومن أبرزهم العلامة حافظ الحكمي والعلامة أحمد النجمي والعلامة زيد المدخلي رحمهم الله رحمة واسعة.
فحري بهذا النموذج الكريم الكبير أن يكون قدوة يحتذى، يتنافس طلبة العلم على أن يتأسوا به في جده واجتهاده وكفاحه في الدعوة إلى الله على بصيرة، وفي التعليم، وفي الصبر على المتعلمين، ورحمتِهم والشفقةِ بهم والحرص عليهم، رحمه الله ورفع درجته في عليين.
وفي الختام أشكر معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ على جهوده المباركة في جميع أرجاء بلادنا المباركة بل وفي خارجها، كما أشكر معالي نائبه فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف السعيد وفقه الله وسدده.
والشكر موصول لفضيلة مدير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة جازان الشيخ أسامة ابن شيخنا زيد بن محمد المدخلي ولكافة العاملين معه. على البرامج والمناشط الدعوية المباركة في جميع أرجاء المنطقة. نفع الله بها وجعلها في موازين حسناتهم. وأعتذر عن الإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] – صحيح مسلم (2/ 1104/1478)
[2] – سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (1/ 155/ 229) وإسناده ضعيف لكن يشهد لقوله (بعثت معلماً) الحديث السابق في صحيح مسلم.
[3] علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم (6/82).
[4] – سنن الترمذي ت بشار (4/ 347) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه.
[5] – الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (3/ 148)
[6] – سير أعلام النبلاء ط الرسالة (6/ 142)
[7] – الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (4/ 187)
[8] – نسبة إلى إسنا بكسر الهمزة مدينة بصعيد مصر، والأشهر في النسبة إليها الإسنائي بالمد انظر توضيح المشتبه لابن ناصر الدين (1/246).
[9] – الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (3/ 148)
[10] – انظر سير أعلام النبلاء ط الرسالة (17/ 344)
[11] – تاريخ بغداد ت بشار (11/ 512)
[12] – تاريخ الإسلام وذيله للذهبي (53/456) تحقيق عمر تدمري.