العنوان : شهرُ ذي القَعدة شهرُ حجٍّ وشهرٌ حرام خطبة مكتوبة
الحمدُ الله الذي خَصّ أهل الإسلام بنعمِه، وفتح لهم أبوابَ طاعتِه بمنّهِ وكرمِه، ووالى عليهم مواسمَ الخيرات، وشهورَ الطاعات؛ ليعمروها بما شرع لهم فيها من القربات، فيضاعفَ لهم الحسناتِ، ويرفعَ لهم الدرجاتِ، ويكفرَ عنهم السيئات.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتفردُ بالربوبيةِ والألوهيةِ، وبالأسماءِ الحسنى والصفاتِ العظيمات، وأشهد أنّ محمداً عبدُه ورسولُه، وخيرتُه مِن بينِ البريّات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسلمياً ما دامت الأرض والسموات.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واشكروه على نعمة المواسم الكريمة، التي تفضل بها على عباده وذلك باستغلالها في طاعةِ الله، وعمارتِها بما شرع الله، فإنه لـمّا انقضى شهرُ الصيام دخلتْ عليكم أشهرُ الحجِّ إلى البيتِ الحرام، التي قال الله فيها (الحج أشهر معلومات) وهي شهرُ شوال وشهرُ ذي القَعْدة وشهر ذي الحِجَّة.
فمن أحرم بالحج فيها قبل انقضاء يوم عرفة فقد أحرم في مواقيت الحج الزمانية، وعليه أن يستشعر جلالةَ العبادة التي دخل فيها قال تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} فقوله تعالى (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) أي على المحرم أن يجتنب الرفَثَ وهو الجماعُ ومقدماته، وعليه أن يجتنب الفسوقَ وهو المعاصي كلُّها من محظوراتِ الإحرامِ وغيرِها، وأعظمُ الفسوقِ الإشراكُ بالله كدعاءِ الأولياءِ والموتى، وعلى المحرم أن يجتنبَ الجدالَ وهو الخصوماتُ التي تُورِثُ العداوات، وتَذهبُ بالأوقات، وتنافي حرمةَ الزمان والمكان، ولا يدخلُ في النهي عن الجدالِ إنكارُ المنكرِ بالطرقِ الشرعية، والآدابِ الـمَرْعِيّة.
ثم حثّ اللهُ المحرمين بالحج على الاستكثارِ بما يمكنُهمْ من الطاعاتِ من صلاةٍ وصدقةٍ وطوافٍ وبرٍّ وإحسانٍ وغيرهِا، فقال تعالى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) أي يعلمه الله فيثيبُكم عليه أحسنَ الثواب، وهو الجواد الكريم الذي إليه المرجعُ والمآب.
ثم أمر الله تعالى من أرادَ الحجَّ أن يتزودَ له بالنفقة التي تغنيه حتى لا يكونَ كَلّاً وعالَةً على الناس فقال (وتزودوا) ثم ربط بين سفرهم إلى الحج وسفرهم إلى الآخرة؛ فكما أنّ سفرَ الدنيا يحتاجُ إلى الزادِ فالسفر إلى الله والدار الآخرة يحتاج إلى زاد عظيم هو زاد التقوى بطاعته واجتناب معصيته، فقال تعالى (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)، زَوَّدَنا اللهُ التقوى، ووفَّقَنا لما يحب ويرضى، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وشرع لنا الحج إلى البيت الحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل البيت مثابةً للناس وأَمْناً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اختاره الله لهذه الأمة فضلاً منه ومَنَّا. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واذكروا أن شهر ذي القَعدة من الأشهر الكريمة فهو أحد أشهر الحج المعلومة التي هي مواقيت للإحرام بالحج. وهو أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما “اخْتَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرْمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالأَجْرَ أعظمَ”.
وثبت عن نبينا ﷺ أنه اعتمر في حياته الشريفة أربعَ مرات، كُلُّها أحرمَ بها في ذي القَعدة. فقال ابن القيم رحمه الله “لَمْ يَكُنْ الله لِيَخْتَارَ لِنَبِيِّهِ ﷺ فِي عُمَرِهِ إِلَّا أَوْلَى الْأَوْقَاتِ وَأَحَقَّهَا بِهَا” يعني العمرة في أشهر الحج. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله “وهذا يدل على أن العُمرةَ في أشهرِ الحجِّ لها مزيةٌ وفضلٌ؛ لاختيارِ النبيِّ ﷺ هذه الأشهرِ لها”.
فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه في الأشهر عامة، وفي الأشهر الحُرُمِ خاصة، واستغلوا نفائسَ الأوقات بأنواعِ الطاعات، فمن ضيّعَ ساعةً من عمره في غير طاعة، عظُمتْ خسارتُه واشتدّتْ يوم القيامةِ عليها ندامتُه.
اللهم وفقنا لاستغلالِ أعمارِنا فيما يقربنا من رضوانك، وأسبابِ دخولِ جنانِك ويباعدُنا عن غضبِك ونيرانِك.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما يرضيك، وقرّب منهم البطانة الصالحة، وجنبهم بطانة السوء، وانصر بهم دينَك وسنةَ نبيك ﷺ. اللهم انصر جنودَنا الذي يجاهدون في سبيلك، ويقاتلون عدوك وعدوَّ دينِك، وعدوَّ أصحابِ نبيك ﷺ وأعداءَ بيتك الحرام. اللهم سدّدْ رميَهم وعجّلْ نصرَهم وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صل وسلّم على عبادك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.