العنوان : خطبة عيد الأضحى 1443هـ من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم النحر
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وسلّمَ تسليماً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
أما بعد: فإنَّ هذا اليومَ هو يومُ النَّحْر، وهو أفضلُ الأيامِ عندَ الله تعالى، وفيهِ وقفَ النبيُّ ﷺ على ناقتهِ بين الجمرات، وخطبَ الناسَ حينَ ارتفعَ الضُّحى ووعظهم، وأوصى أُمّتَهُ بوصايا عظيمة، تحفظُ للمسلمينَ دينَهم من الزَّيغ، وتحفظُ للمجتمعِ أَمنَهُ ووِحدَتَه، وتحفظُ للأُسرةِ استقرارَها.
فأَمرَ ﷺ بعبادةِ اللهِ وحدَه، الذي هوَ الغايةُ من خَلْقِنا وإيجادِنا في هذهِ الحياة، وأمرَ بتقوى اللهِ، التي هيَ مِلاكُ كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرة، وأَمرَ بالمحافظةِ على بقيةِ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ: الصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِّ. ومَن وحّدَ اللهَ واتقاه، وأقامَ أركانَ دِينهِ كان من أَهلِ الجَنّة.
وأَمرَ أُمَّتَهُ أنْ تَسْمَعَ وتُطِيْعَ لأُمَرائِها ووُلاةِ أَمرِها، وهيَ وصيةٌ عظيمةٌ، فَبِالسمعِ والطاعةِ لهم تجتمعُ الكلمةُ، ويَتَّحِدُ الصَفُّ، وتأْتَلِفُ القلوب، ويَأَمنُ المجتمعُ، ويَتفرَّغُ الناسُ لعبادةِ ربِّهم، وعِمارةِ دُنْياهُم، فَحَذارِ حَذَارِ من الجماعاتِ السِّياسِيَّة، التي تُحرّضُ على الثوراتِ والخروجِ على ولاةِ الأمورِ، سواءٌ كانت تلك الدعواتُ والجماعاتُ تنتسبُ للإسلامِ أَم لِغَيْرِه.
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ وللهِ الحمد.
وقَرَّرَ ﷺ في ذلكَ المقامِ العظيمِ حرمةَ دَمِ المسلمِ وبَشَرتِه، وحُرْمَةَ مَالهِ وعِرْضِه. ثُمَّ أَكّدَ على أُمَّتِهِ فقال: “لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” فَتَبَيَّنَ بذلكَ أَنَّهُ لا يَحِلُّ لِـمُسلمٍ أَنْ يَسْفِكَ دَمَ مسلمٍ أو يضربَهُ بغيرِ حق، ولا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يأخذَ قليلاً ولا كثيراً من مالِ أخيه بِغَيرِ حَقٍّ، ولا يَحِلُّ لمسلمٍ أَنْ يَطْعَنَ في عِرضِ مُسلمٍ بِغَيرِ حَقٍّ، وإذا التزمَ المجتمعُ بهذهِ الوصيةِ سَادَ السِّلْمُ والأَمْنُ في أوساطِه، وسادَتْ رُوحُ المودَّةِ والاحترامِ بينَ أَفرادِه، وقُطِعتْ أَسبابُ أكثرِ الخصوماتِ التي تَنْخُرُ في بُنيانِه.
عبادَ الله: إنّ كثيرا ًمن الناسِ اليومَ استهانوا بشأنِ الدماءِ المعصومةِ، فأزهقوا الأرواحَ البريئةَ بِسَببِ ثورةٍ غَضَبيّةٍ، أو عَصَبيّةٍ جاهليّةٍ، أوْ طَمعٍ دُنْيَوِيٍّ، أَوْ انحرافٍ فِكْريٍّ، فاتقوا الله واتقوا الدماءَ، وتذكروا قولَهُ تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
وأوصى النبيُّ ﷺ في ذلكَ المقامِ العظيمِ الرجالَ بالنساءِ خيراً، وبيّنَ ما لهنَّ من الحقوقِ وما عليهنَّ من الواجباتِ، وإذا قامَ كلٌّ من الزَّوْجَينِ بما عليهِ قَدْرَ استطاعتِهِ صارتْ بيوتُ الزوجيةِ بيوتاً سعيدةً، آمنةً مطمئنةً، فالتزموا جميعاً ذكوراً وإناثاً بأخلاقِ الإسلامِ، فإنَّ الخللَ الأُسريَّ وتَهَدُّمَ البيوتِ بالطلاقِ والفَسخِ والخُلْعِ كَثُرَ في هذه الأوقاتِ، وانتشرَ انتشاراً مَلْحُوظاً، بسببِ الجهلِ وضَعفِ الإيمان وقِلّةِ الصبر، وفَتْحِ الآذانِ للمُخَبِّبِينَ والمفسدينَ، سواءً كانوا في الواقعِ أَمْ في وسائلِ التواصل.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيم، ونفعني وإياكم بهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروهُ إنّهُ هوَ الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر – الله أكبر الله أكبر -الله أكبر الله أكبر – الله أكبر.
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقهِ وامتنانِه؛ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تعظيماً لشأنِه؛ وأشهدُ أَنَّ محمداً عبدُه ورسولُه؛ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله واشكروهُ على ما أعطاكمْ، واستغفروهُ من ذنوبِكم وخطاياكُمْ.
عباد الله:
إنّ النبيَّ ﷺ في آخِرِ خطبتهِ أَمرَ مَنْ حَضَرَها أَنْ يُبَلِّغَها مَن غَابَ عنها، فقال: “لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ” وفي هذا دليلٌ واضحٌ على أَنَّ سنَّتَهُ ﷺ دينٌ، يجبُ العملُ بها والاحتكامُ إليها.
فاحذورا أهلَ الأهواءِ الذين يَبْذُلونَ جُهودَهم ليلَ نهارَ لِيَصْرِفُوا الأُمَّةَ عن سُنَّةِ نَبيِّها ﷺ فتراهمْ مرَّةً يَسخرونَ ببعضِ الأحاديث، ومَرَّةً يطعنونَ في صحيحِ البخاري، ومَرَّةً يقولونَ الحُجَّةُ في القرآنِ وحدَهُ، وَلَسْنَا مُلْزَمِينَ بالأخذِ بالسُّنّة، حتى تقولَ لأَحَدِهِم “هذا حرامٌ أوْ هذا حلالٌ لقولهِ ﷺ كذا وكذا” فيقولَ: “هل عندكَ دليلٌ من القرآن؟” وهذا كلامٌ باطلٌ فقدْ أَمرَ اللهُ في أكثرَ مِنْ ثلاثينَ موضعاً من كتابهِ بطاعةِ رَسولِهِ ﷺ وطاعةُ الرسولِ هي اتباعُ سنَّتِهِ، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عبادَ الله: يُشرعُ اليومَ ذبحُ الأضاحي ويبدأ وقتُ الذّبحِ من بعدِ فَراغِ الإمامِ من الصلاة، فمن ذبحَ قبلَ صلاةِ العيد لم تُجْزِئُه، ويضحّي بأُخرى، ويَستمرُّ وقتُ الذبحِ إلى غروبِ الشمسِ من آخِرِ أيام التشريق وهو اليومُ الثالثَ عشرَ، فاذبحوا أَضاحِيْكم طيبةً بها نُفوسُكم، وكُلُوا منها وأَطْعِموا، وكبّروا اللهَ في أدبارِ الصلواتِ الخمسِ إذا أَديتموها مع الجماعةِ إلى صلاة العصرِ آخرَ أَيامِ التشريق، فإنّها أيامُ أَكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله تعالى.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ويسر لهم أداء مناسكهم آمنين، واجز حكومة خادم الحرمين الشريفين على ما تقوم من خدمة ورعاية وعناية بالحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والعمار والزوار، إنك سميع الدعاء. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكّرون، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولَذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.