العنوان : التحذير من التساهل في الطلاق وطلب الخُلع

عدد الزيارات : 2786

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى يجعل لكم مخرجاً من كل ضِيق، ويرزقْكم من حيث لا تحتسبون، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم.

عباد الله:

لقد رغّب ديننا في النكاح وحثَّ عليه، وأمر به قال تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وقال تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } وذلك لما في النكاحِ من المصالح العظيمة، فمن مصالحهِ للزوجين، غضُّ البصر، وتحصينُ الفرج، وتحقيقُ السَّكَنِ النفسي، وحصولُ الذريةِ الطيبةِ التي تقرُّ بها العين، ويمتدُّ بها الذِّكْر.

ومن منافعِ الزواجِ ومصالحِه للمجتمعِ والأُمّةِ تكثيرُ عددها، لذلك قال ﷺ “تزوجوا الوَدود الوَلود فإني مكاثرٌ بكم الأمم” رواه أبو داود،  ومن منافعهِ تربيةُ أجيالٍ على الإسلامِ والتوحيدِ والسُّنّة تؤمنُ بالله وتصدِّقُ المرسلين، ينفعُ الله بهم أوطانهَم وأُمَّتَهُم في الدِّين والدنيا.

والأُسرة هي نَواةُ المجتمع فإذا صلحتِ الأُسرةُ بأن كانتْ آمنةً مطمئنةً متماسكةً أثّرَ ذلك في المجتمع استقراراً وطمأنينة.

وإذا تفككتِ الأُسر اختلَّ المجتمعُ وضعُفتْ قوّته واضطربتْ أحوالُه لأنّ التفككَ الأُسري إذا تفشّى وانتشرَ كثُرتِ العدوات، وانتشرت الجرائمُ الأمنية والجرائمُ الأخلاقية، وضعُف التحصيلُ العلمي، وتقلّصَ عددُ الشبابِ المؤهلينَ للأعمالِ التي تحتاجُها الأوطانُ للحفاظِ على أمنها والنهوضِ باقتصادِها، وصارتْ لُقْمةً سهلةً لمن يريدُ الشرَّ بها.

فحافظوا على أُسركم وبيوتِكم وأزواجِكم وأولادِكم، وذلك بتقوى الله والعِشْرةِ بالمعروف، وإقامةِ العَدلِ بين الزوجاتِ، والعدلِ بين الأبناء، وبالتراحمِ والتَّواد والتواصلِ بين أفرادِ الأُسرة، وبالرضا بما قَسَم الله، والقناعةِ بما في اليد، وعدَمِ التطلعِ إلى تقليدِ الآخَرينَ في مساكنِهم أو مشترياتِهم أو سفراتِهم أو غيرِ ذلك مما لا يطيقُه ربُّ الأسرة.

وبالحذَرِ من أعداءِ الأُسرةِ والقِيَمِ الحميدة ، أصحابِ الدعايات المضللة، التي تجعل الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً، و تصوّرُ جَنّةَ بيتِ الزوجيةِ قيداً وسجناً، وعبوديّة ورِقّاً، وتصور الطلاقَ والخُلعَ من غير سببٍ وجيه، حُرّيةً وخَلاصاً، وسعادةً وسروراً.

أيها الإخوة في الله:

لقد أباح اللهُ الطلاق وأباحَ الخلع ولكنّهُ جعل ذلك حَلّاً ومخرجاً حين تفسُدُ العِلاقةُ الزوجيّة، ويكون استمرارُها ضرراً محْضاً لا مصلحةَ فيه، أمّا أن يلجأ الزوجُ إلى الطلاقِ من غير سببٍ وجيه، أو أن تلجأ الزوجةُ إلى طلبهِ أو إلى طلبِ الخلع من غيرِ ضرر معتبرٍ فهو عملٌ منهيٌّ عنه، يكرههُ الشرعُ ولا يحبه، ويُنفّرُ عنه ولا يرغِّبُ فيه، قال ﷺ «أَيُّما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقاً في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ» رواه أبو داود، ومن أسباب كره الشرع للطلاق من غير حاجة ما فيه  من الضررِ على الزوج والزوجة، وتضييعِ الأولاد، وإنهاء المصالحِ التي شُرِعَ الزواجُ من أَجْلِها.

فكيف بعدَ هذا يتساهلُ كثيرٌ من الرجالِ في التطليق من غير سبب وجيه، وكيف تتساهل ُبعد هذا كثيرٌ من النساءِ في طلب الطلاق أو الخُلع من غيرِ ما بأس؟!.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واحذروا من الاستخفافِ بالطلاقِ، والتلاعبِ به، وإيقاعهِ على غيرِ وجهه الشرعي، قال تعالى في شأن الطلاق {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}

ومن التلاعب بالطلاق الحَلِفُ به في كل شيء، حتّى ورّث كثيرٌ من الآباء أبناءهم الحلف بالطلاق فتسمع كثيراً من الأولاد يتحالفون بالطلاق في لعبهم ولهوهم وخصوماتهم والعياذ بالله، بينما كان السلف الصالح يضربون أولادهم إذا سمعوهم يحلفون بالله _وهو حَلِفٌ مشروع _حتى لا يكون الحَلِفُ عادةً لهم فيستخفّون به.

والحذرَ الحذرَ من اللجوء إلى الطلاق من غير حاجة حقيقية داعية إليه، فإن الله أرشد إلى الحفاظ على رباط الزوجية وإن وجدت بعض المنغصات كنقصِ جَمالٍ أو سوء خُلُق قال تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} فلم يأمر جل وعلا بالطلاق عند حصول الكره وإنما أرشد إلى الصبر عليها، فلعل الله يجعل بعد ذلك خيراً كثيراً كتبدل الكُرهِ إلى محبة، وحصولِ الولدِ الصالح، وغيرِ ذلك من صُنوفِ الخير. نسأل الله أن يصلح الأحوال، وأن يبارك في الأزواج والأموال والعيال، اللهم أَعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيه رضاك، واجعلْ عملهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *