العنوان : من فضلِ الاستغفار
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه واستغفروه، فقد أمرَنا اللهُ جميعاً أن نستغفرَه فقال تعالى ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وقال تعالى ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ والله يدعو عبادَه ليغفرَ لهم كما قال جَلَّ وعلا : ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ وقال جَلَّ وعلا ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾
وقد وعد مَن استغفره بالمغفرة، فقال تعالى ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ ، وقال تعالى في الحديث القدسي : ” يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلاَ أُبَالِي ” رواه الترمذي.
فمَن أَذنبَ _وكلُّنا مذنبٌ خطّاء_ فليبادرْ بالاستغفار، ولْيَحْذَرْ ثمّ ليَحْذَرْ مِن التسويفِ أو الإصرار، فإنّ أَبوَيْنا آدمَ وحوّاء عليهما السلام لـمّا أكلا من الشجرة وبدَتْ لهما سوءاتُهما ندِما وبادَرا إلى الاستغفارِ فغفرَ اللهُ لهما، قال تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ولما قَتلَ موسى _عليه السلام_ الرجلَ الفِرعونيَّ خَطَأً بادرَ قائلاً ” {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
وقال تعالى عن المتقين ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
وإنْ توضأ المسلمُ بعدَ الذنبِ وصلّى ركعتينِ وسألَ اللهَ المغفرةَ فهوَ خيرٌ له، قال ﷺ: “مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، إِلاَّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}” رواه أحمدُ والترمذي.
عباد الله:
إنّهُ يُشرعُ للمسلم أن يستغفرَ اللهَ استغفاراً كثيراً فهذا نبيُّنا ﷺ _وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر_ يقول: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» رواه البخاري. فكيفَ بنا نحنُ المقصرينَ المفرّطينَ في جَنْبِ الله.
فأَكثروا من الاستغفار في كلِّ يومٍ وليلة، وتحرَّوا الاستغفارَ في الثُّلثِ الأخيرِ من الليل، قال تعالى عن المتقين {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وفي الثُّلثِ الأَخيرِ ينزلُ ربُّنا إلى السماءِ الدنيا فينادي عبادَه: “مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ” متفق عليه. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفِّرْ عنّا سيئاتنا وتوفَّنا مع الأبرار.
أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشُّكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا
أما بعد: فاتقوا اللهَ تعالى حقّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعُروة الوثقى، واتقوا النارَ فإنَّ أجسادَكم على النّار لا تَقَوى.
عبادَ الله:
إنّ للاستغفار فوائدَ جَليلة، منها أنه سببٌ عظيمٌ لمغفرةِ الذنوب التي هيَ أصلُ كلِّ شرٍ وبلاءٍ في الدنيا والآخرة، وسببٌ لجلاءِ القلبِ وتنقيتِه بعدَ أنْ تُسوِّدَهُ المعاصي، كما أَنّهُ سببٌ عظيمٌ لنزولِ الأمطار وقُوَّةِ الأجساد، وزيادةِ الأموالِ الأولاد، فقد قال نوحٌ لقومه {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وقال هودٌ لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} ورُويَ عن النبي ﷺ أنّه قال « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» رواه ابن ماجه.
فاستغفروا اللهَ كثيراً، وخُصّوا سيدَ الاستغفار بمزيد عناية، فاحفظوه، وداوموا عليه في كُلِّ صباحٍ ومساء، فهو سببٌ لدخولِ الجنّة قال ﷺ: ” سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ” قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رواه البخاري. جعلني الله وإياكم من أهل الجنة ووالدِيْنا.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ أعداءك أعداء الدين. اللهم نفِّس كرب المكروبين واقض الدَّين عن المدينين، واشف مرضانا وارحم موتانا إنك أنت الرحمن الرحيم. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لما تُحب وترضى، اللهم وفِّقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، واحفظهما بحفظك، اللهم أصلِح لهم البطانة وانصرْ بهما دينك، وأَعلِ بهما كلمتَك يا ربَّ العالمين.
عبادَ الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمه يزِدكم، ولذِكْر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.