جديد الإعلانات :

العنوان : حرمة الغش والاحتكار في التجارة

عدد الزيارات : 2197

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى حقَّ تُقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاتِه، وسابقوا إلى دار كرامتِهِ وجناتِه، فقد أمركم ربكم بذلك في قوله جل وعلا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

عبادَ الله:

لقد أَحلَّ اللهُ لعبادهِ البيع، ورغَّبَهم في العملِ والأكلِ من كسبِ اليد، وسمَّى التجارةَ فضلاً ، وأضاف هذا الفضلَ لنفسِه، وأَذِنَ لهم في طلب هذا الفضلِ فقال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فكان عِرَاكُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتَك، وانتشرتُ كما أمرتني، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وسُئل النبيُّ ﷺ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟  فقال: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ, وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» رواه البزار.

ولكنْ على من يَعملُ في التجارة سواءٌ كانتْ كبيرةً أم صغيرة، أن يتقيَ اللهَ فيها، وإلا كانتْ وبالاً عليه، قال رفاعةُ بن رافع رضي الله عنه خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ؛ فَإِذَا النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ بُكْرَةً، _أي أَوَّلَ النهار_ فَنَادَاهُمْ: “يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ”، فَلَمَّا رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ، وَمَدُّوا أَعْنَاقَهُمْ، قَالَ: “إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنْ اتَّقَى وَبَرَّ وَصَدَقَ” رواه ابن ماجه.

فمِمَّا ينافي تقوى اللهِ تعالى في التجارة، استعمالُ الغشِّ بكلِّ صوره وأساليبه، سواءٌ كان الغِشُّ في النّوع أو التاريخِ أو الصُّنع أو غيرِ ذلك، وكفى بذنبٍ شرّاً أن يتبرأ النبيُّ ﷺ من صاحبه، فقد قال ﷺ حين رأى تاجراً يجعل الحَبَّ المبلولَ في أَسفلِ الطعام حتى لا يراه المشتري: “مَن غَشّنَا فليس منَّا” رواه مسلم.

ومما ينافي تقوى اللهِ في التجارة احتكارُ الأقوات، لتشتدَّ الحاجةُ إليها فيبيعَها عند ذلك بأعلى الأسعار، وفي هذا يقول ﷺ: “مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ” أي فهوَ عاصٍ آثم. رواه مسلم.

عباد الله لقد كرِهَ أهلُ العلمِ للتاجر _فضلاً عن غيره_ أن يتمنّى غلاءَ الأسعار، فكيفَ بمن يسعى ويُسْهِمُ بنفسهِ في غلائها وارتفاعِها متعمّداً؛ لينفعَ نفسَهُ ويضرَّ إخوانه.

ومما ينافي تقوى اللهِ تعالى في التجارة مخالفةُ الأنظمةِ واللوائحِ المعتمدةِ من الجهاتِ الحكومية التي ما وُضِعتْ إلا لضبطِ مصالحِ الناس وحمايتِهم وحمايةِ المجتمع مما يَضُر، فمعصيةُ وليِّ الأمر معصيةٌ للهِ ولرسولهِ ﷺ لقولهِ ﷺ “ومَن يعصِ الأميرَ فقد عصاني”، ولا يخفى عليكم ما سببّهُ الغِشُّ في التجارة والاحتكارُ ومخالفةُ الأنظمة، والتسترُ التجاريُّ من خسائرَ وهَدْرٍ وأضرارٍ فادحةٍ بالأموالِ والأبدانِ والأَرواح.

نسألُ الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الصدقَ والإخلاصَ والنُّصحَ لأئمةِ المسلمين وعامّتِهم، أقولُ هذا القولَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنّهُ هو الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله الذي نزَّل على عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إنه كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

عباد الله:

اعلموا أنَّ من الآدابِ والأخلاقِ التي ينبغي للتاجرِ أن يعتنيَ بها في بيعهِ وشرائِه وتعاملهِ مع زبائنه، التزامُ الأمانةِ والصدق، والمسامحةُ في البيع والشراء، وتركُ التشديدِ والتعسيرِ، والمضايقةِ والـمُشَاحّة، قال ﷺ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ” رواه الترمذي. وقال ﷺ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» رواه البخاري.  جعلني الله وإياكم من المرحومين إنه رؤوف رحيم.

معاشر المؤمنين:

صلوا وسلموا على المبعوث رحمةً للعاملين، اللهم صلِّ وسلّمْ على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحابه الأكرمين، وأزواجه أُمّهاتِ المؤمنين، وعنّا معهم بمنّكِ وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، وانصرْ عبادَك الموحدين، وجنودَنا المرابطين، اللهم وفّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين وولي عهدهِ الأمين لما تحبه وترضاه يا حيُّ يا قيوم، اللهم أصلح لهم البطانة يا ذا الجلالِ والإكرام. اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

One comment

  1. فتح الله عليك وزادك علما وبارك فيك ونفع

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *