جديد الإعلانات :

العنوان : حرمة الرشوة وأضرارها

عدد الزيارات : 2349

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه فيما تأتونَ وما تذرون، وما تُسِرّونَ وما تعلنون، فإنّ الأعمالَ مرصودة، والأعمارَ محدودة، وإن بعدَ الموتِ بعثاً وحياه، وبعدَ البعثِ حساباً ومجازاه.  (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا).

أيها المسلمون:

إن فتنةَ المالِ فتنةٌ عظيمة، حذّرَنا النبيُّ ﷺ من السقوطِ فيها في أحاديثَ كثيرة، منها قولُه ﷺ  “إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ” رواه الترمذي، وفتنةُ المالِ أنْ يكتسبَهُ المسلمُ من الوجوهِ المحرمة، أو ينفقَه في الوجوه المحرمة، أو يمنعَ حق اللهِ فيه، أو حقَّ خلقِه.

عبادَ الله:

إنّ مِن صُورِ الاكتسابِ المحرم أَن يستغلَّ الموظفُ وظيفتَه الحكوميةَ أو وظيفتَه الخاصةَ ليكتسبَ من خلالِها ما ليسَ له بحق، لا سيما عن طريقِ الرِّشوةِ التي نهى اللهُ عنها في قوله تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وتوعّدَ النبيُّ ﷺ باذِلَها وآكِلَها فقال: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رواه ابن ماجه.

وحُكمُ الرِّشْوَةِ لا يختلفُ بتغييرِ اسمِها، فالرشوةُ رِشوةٌ سواءٌ سميت هديةً أو حَلاوةً أو بَخْشِيْشَاً أو إكراميةً، أو سُـمِّيَتْ بغيرِ ذلك من الأسماء، قال ﷺ  ” مَا بَالُ العَامِلِ -يعني الموظف- نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ” متفق عليه.

إخوة الإسلام:

إن بعضَ الناسِ قد يتعففُ عن طلب الرشوة من الأفراد، لكن إذا كان المشروع مشروعاً حكومياً لم يبال بالتعامل بالرشوة أخذاً أو بذلاً طمعاً في الدنيا، وربما اعتقد بعضهم حِلَّ ما يقع في يدهِ من بيت مالِ المسلمين، ولا شكَّ أنه اعتقادٌ فاسد، ومَسلكٌ خبيث، فقد توعد الله أهلَ الغلول، وأَكَلَةَ مالِ بيتِ المسلمينَ بالوعيدِ الشديد قال تعالى (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وفي الصحيحينِ أَنَّ رجلاً أصابهُ سهمٌ يومَ خيبرَ معَ رسولِ الله ﷺ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» والشَّمْلَةُ كِساءٌ صغيرٌ يُتّزرُ به. فإذا كانت هذهِ عُقوبةُ مَن غَلّ كِساءً صغيراً فما ظنّكَ بعقوبةِ مَن غَلَّ أَو سرقَ المئاتِ أو الأُلوفَ أو مئاتِ الألوف أو أكثر من ذلك.

وقالَ ﷺ «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مـِخْيَطَاً، – يعني إبرة- فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم، وعَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري. أَيْ يأكلونَ أموالَ المسلمينَ بغيرِ وجهِ حَقّ. وقال ﷺ: “وَلَا تَغُلُّوا؛ فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ”.

فَلْنتّقِ اللهَ في مكاسبِنا، وليعلمْ كلُّ واحدٍ منّا أنّنا مسؤولنا عن أموالِنا: من أين اكتسبناها، وفيمَ أنفقناها، قبل أن تزولَ أقدامُنا من عَرَصاتِ القيامة والله المستعان. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد عبادَ الله:

فإنّ الرِّشوةَ إذا انتشرَتْ في المجتمع آذَنَتْ بفسادِه، وعجّلتْ بِدَمارِه، فإنْ دخلتِ القضاءَ خرجَ منه العدل، وإن دخلتِ التعليمَ فشا الجهل، وإن دخلتِ الطبَّ هَلكتِ الأبدانُ، وزَهَقَتِ الأرواح، وإن دخلتْ مجالَ العمارةِ والبناءِ تلِفتِ المشاريع، وتهدّمَ العُمْران، وإذا دخلَتْ مجالَ التوظيفِ وُظِّفَ غيرُ المستَحِقِّ، وحُرِم المستَحِقُّ، وإذا دخلتِ الجيشَ ضعُفتْ قوتُه، وذهبتْ هيبتُه. فَهِيَ كالورَمِ الذي يدخلُ الجسدَ فيتلفَه.

عبادَ الله:

إنّهُ لحُرمةِ الرِّشوةِ والفسادِ المالي ولِعَظَمِ الخطرِ فيهما على الأفرادِ والمجتمعات، اجتهدَ ولاةُ أُمورِنا وفّقهم الله في محاربتها والقضاءِ عليها، وواجبُنا أن نكونَ أعوانَ صدقٍ لوُلاةِ الأمرِ على هذهِ المهمةِ الجسيمة، وذلك بأنْ نتحلّى بالأمانةِ في أَنْفُسِنا، وبالإبلاغِ عمن يطلبُ الرشوةَ أو يسعى للتربح من وظيفتهِ العامةِ أو الخاصةِ بغيرِ وجهِ حق، دون محاباةٍ ولا مجاملة، حتى تتمكنَ الجهاتُ المعنيّةُ من إيقافِهم وردعِهم، وتخليصِ الوَطنِ من شرورِهم. قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

رزقني الله وإياكم النزاهةَ والعفافَ والاستقامة، وأعاذني وإياكم من فسادِ الدين والأخلاقِ وتضييع الأمانة.

اللهم آمنّا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *