العنوان : التنبيه على مخاطر تهدد الأسرة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على بيوتكم، فإن المخاطر التي تهدد البيوت اليوم كثيرة، وأنتم مسؤولون عن أنفسكم وأهليكم قال تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”
فمن المخاطرِ التي تهدّدُ البيوت تحريضُ الزوجاتِ على الانفصال عن الأزواج لأوهى الأسباب وأَتْفَهِها، والإيهامُ بأنَّ الانفصال لتلكَ الأسباب التافهةِ انتصارٌ عظيم، يَستحقُّ أن يُحفتلَ به، وأن يُصوَّرَ ويُعلَنَ على منصاتِ التواصل، مع ما في الانفصال من هدمِ الأسرة، وتشريدِ الأطفال، وإن كان الطلاقُ بطلب المرأةِ وليس له سببٌ شرعيٌّ يقتضيه كان من أسبابِ دخولِ المرأةِ النار وحرمانِها الجنّة لقوله ﷺ: «أيُّما امرأة سألت زوْجها الطلاق، من غير بأس: فحرام عليها رائحةُ الجنة» رواه أبو داود، ولقوله ﷺ «الـمُختَلِعَاتُ: هُنَّ الـمُنَافقاتُ» رواه النسائي .
وإن كان الطلاق مِن قِبَلِ الرجلِ وليس له سببٌ يقتضيه فهو حرام عِندَ جَمعٍ من أهلِ العلم، منهم الإمام أحمدُ رحمه الله في رواية عنه، لما فيهِ من الضررِ عليهما، وفي الحديث (لا ضررَ ولا ضرار)، ولما في الطلاقِ من قَطعِ المنافعِ العظيمةِ الناشئةِ عن الزواج.
فكيفَ يُفرحُ بأمرٍ يهدم بيت الزوجية، ويُشَتِّتُ الذرية، ويُفضي إلى قَطيعةِ الرحم؟!.
ثم أينَ هؤلاءِ المحتفلاتُ باختلاعِهِنَّ مِن أزواجهنَّ بغيرِ سببٍ من قوله تعالى “وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.
وليس ببعيدٍ أن يكونَ من مقاصدِ بعضِهِنَّ في التفاخرِ والتباهي بالخُلعِ ونحوِه هو تحريضُ النساءِ على أزواجِهن، وتشجيعِهِنَّ على اتخاذِ القرارِ نفسِه، لِيَهْدِمْنَ بيوتاً عامرةً مستقرةً، من بابِ الحسدِ لَـهُنَّ على ما هُنَّ فيهِ من نِعمةِ البيتِ الزوجيِّ السعيد.
أيها الأِخوةُ الأَكارِم:
هذا السلوكُ الجديدُ يقتضي أن يَبذُلَ الأبوانِ جُهداً أكبرَ في تربيةِ أبنائِهم وبناتِهم على احترامِ الحياةِ الزوجية، وأَوَّلُ ذلك أن يَرى الأولادُ في أَبيهمْ مثالاً للزوجِ الصالحِ المتصفِّ بحُسْنِ العِشرة والكَرمِ والرحمةِ في تعاملهِ مع زوجتهِ التي هي أُمُّهمْ، وأن يَروا في أُمِّهم مثالاً للزوجةِ الصالحةِ التي تعاشرُ زوجَها -وهو أبوهم- بالحسنى، وتطيعهُ في المعروف، وتحفظُه في نفسِها ومالهِ وبيتِه وولدِه، وتُكرِمُ أهلَهُ وضيفَه، فإنَّ القُدوةَ العَمَلية أبلغُ أثراً من القولِ الـمُجَّرَّد.
ثم يتبعُ القدوةَ العمليةَ تعاهدُهم -ولا سيما إذا كانوا في سِنِّ الزواج- بالتذكيرِ بمكانةِ الحياةِ الزوجيةِ في الإسلام، وعِظَمِ حَقِّ كلٍّ مِن الرجلِ والمرأةِ على الآخَر، وتحذيرِهِم من السلوكياتِ الشاذّةِ التي يُروِّجُ لها بعضُ من لا يريدُ للمجتمعِ اليومَ ولا للأجيالِ القادمةِ خيراً وسعادة.
تعاهدوهم بالتعليمِ والوَعْظِ فإنَّ لهما الأثرَ الكبيرَ في تهذيبِ السلوكِ على الطريقةِ المستقيمة، وتنقيةِ العُقولِ من الأفكارِ السقيمة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنَّ البيوتَ هي المدرسةُ الأُولى للأبناءِ والبنات، يتعلمون فيها التوحيدَ والطهارةَ والصلاة، والآدابَ الحميدة، والأخلاقَ الكريمة، فيها يتربّى الأبناءُ على الكرمِ والشجاعةِ وتَحمُّلِ المسؤولية، وفيها تتربى البناتُ على الحياءِ والحشمةِ والعفةِ وتدبيرِ المنزل.
ونحن اليومَ في أمسِّ الحاجةِ إلى تعاهدِ هذه القِيَمِ والعنايةِ بها والحِرْصِ عليها، فإنَّ كثيراً مما يعرفُ بالمشاهيرِ والمشهورات قدواتٌ بالغةُ السُّوءِ دِيناً وخُلُقاً، وفِكراً ومَنهجا، وألفاظاً ولباساً.
وهذه المستَجِدَّاتُ تَفرِضُ على أولياءِ الأمورِ من الآباءِ والأُمَّهاتِ مسؤولياتٍ في التربيةِ والتوجيهِ، والرِّعايةِ والعنايةِ أكثرَ مما مضى، ولا شَكَّ أنّ المهمةَ عسيرةٌ ولكنَّها يسيرةٌ بالاستعانةِ باللهِ واستمدادِ التوفيقِ منه جلَّ وعلا.
اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً،
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئنّاً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90] ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.