العنوان : وجوب التسليم لله ولرسوله ﷺ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره، واستنَّ بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله تعالى؛ وتدبروا قوله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}،
تدبروا هذه الآية الكريمة وما جاء في معناها من الأمرِ بطاعةِ الله ورسولهِ ﷺ، وتقديمِ أمرِ اللهِ وأمرِ رسولهِ ﷺ على كلِّ مَن عَدَاهُما، فلا يُطاعُ مخلوقٌ في معصيةِ الله، ولا يُقدَّمُ عليهما قولُ إمامٍ ولا مذهبٍ ما دامَ ذلك القولُ أو المذهبُ مخالفاً لآيةٍ أو سُنّة، ولا تُقدَّمُ العاداتُ والأعرافُ على حُكمِ اللهِ وحُكمِ رسولهِ ﷺ إذا كانت تلك العاداتُ مصادمةً للكتابِ والسُّنّة.
لأنَّ الإيمانَ الحقَّ الصادقَ يستلزمُ طاعةَ اللهِ وطاعةَ رسولهِ ﷺ، ويَستلزمُ تقديمَ أمرِ اللهِ وأمرِ رسولهِ ﷺ على هوى النفسِ وعلى أمرِ كُلِّ مَن عَداهما، بل الإيمانُ الصادقُ يستلزمُ سلامةَ الصدرِ من أنَ يكونَ فيه حرجٌ أو ترددٌ في قبولِ حكمِ الله وحُكمِ رسولهِ ﷺ، كما يَستلزمُ أن يُسلِّمَ لحكمِ الله وحُكمِ رَسولهِ ﷺ تسليماً تاماً لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
ولأنّ معصيةَ اللهِ ورسولهِ ﷺ ضلالٌ مبينٌ واضح، وخطرٌ عظيمٌ فادح، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} وقال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وقال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}
عباد الله: إذا كانت معصيةُ اللهِ ورسولهِ زيغاً وفساداً، فإن طاعةَ اللهِ ورسولهِ هدىً ورشاد، وسعادةٌ في الدنيا ويومَ المعاد، وخيرٌ للمرء مما اختارَ لنفسهِ وأراد، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ وقال تعالى {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}. جعلني الله وإياكم منهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفي أثره إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله تعالى، وعظموا أمره وأمر رسوله ﷺ وامتثلوا له امتثالاً، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
فالمؤمن الموحد الذي يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسولُ الله يمشي خلفَ كتابِ الله، وخلفَ سُنّةِ رسولِ الله ﷺ فإيّاهما يتبع، وبهما يقتدي، وليس هو مثلَ قومٍ يردّون حكمَ اللهِ وحكمَ رسولهِ ﷺ بالمعاذيرِ الواهية، فمنهم من لا يخضعُ لحكمِ ورسولهِ ﷺ لأنه يعتبر الهَدْيَ الشرعيَّ تخلفاً ورجعيّة، وذاك يردُّ الحديثَ لأنه يخالفُ عقلَهُ كما يزعم، وذاك الدليلَ الشرعي لأن إمامَهُ لا يعملُ بهذا الحديث، وذاك يردُّ الحكمَ الشرعيَّ لأنه يخالفُ عادةَ آبائهِ وأجدادِه، وسُلومَ قبيلتِه وأسلافِه.
فاتقوا الله عباد الله، وكونوا كما أمركم الله ، وكما كان أصحابُ رسولِ الله ﷺ في المسارعةِ إلى التسليمِ والانقيادِ لأمر الله، وأمرِ رسولهِ ﷺ، فقد فارقوا الأهلَ والديارَ طاعةً للهِ ولرسولهِ ﷺ ، وتركوا العاداتِ والتقاليدَ طاعةً للهِ ولرسولهِ ﷺ ، وتركوا اختيارَ أنفسِهم وهواها طاعةً للهِ ولرسولهِ ﷺ في أمثلةٍ لا تحصى ولا تُحصر، لذلك رضيَ الله عنهم ، وكذلك مَن تبعهم وأَحسنَ الاقتداءَ بهم رضي الله عنه، قال تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} اللهم ثبتنا على الهدى والإيمان، واجعلنا ممن اتبع السابقين الأولين بإحسان، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آمنِّا في أوطانِنا وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورِنا، اللهم وفِّقْ إمامَنا وولي عهدِه بتوفيقِك وأيّدْهمْ بتأييدِك يا سميع الدعاء، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.