جديد الإعلانات :

العنوان : مكانةُ الأسرة ومسؤولياتها

عدد الزيارات : 3597

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ‌وَبَثَّ ‌مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾

أما بعد:

فاعلموا عباد الله أن الأُسرةَ لها شأن ٌعظيم، فقد رغَّبتِ الشريعة في النكاح وبيّنتْ أنه من سُننِ المرسلين، لأنها الطريق الشرعي لِحِلِّ الاستمتاعِ بين الذكرِ والأنثى، واستمرارِ الجنسِ البشري، وفخّمتْ شأنَ عقدِ الزوجيةِ فسماه الله تعالى ميثاقاً غليظاً لقوّتهِ وعظَمته، كما حثّتِ الشريعةُ أن يكونَ أساسُ اختيارِ ركني الأُسرةِ على الخُلق والدين، بعد توفُّرِ الرغباتِ الأخرى من مالٍ أو حَسَبٍ أو جمال، حتى يتعاونَ الزوجانِ على البرِّ والتقوى، ويتعاونا على تنشئةِ جيلٍ متينِ الدينِ، مُهَذَّبِ الأخلاق.

وسعادةُ الأسرةِ ونجاحُها يكمن في أن تكونَ مترابطةً، متراحمةً، معتصمةً بدينِها، معتزةً بأخلاقِها، أساسُ العِشْرةِ فيها مبنيٌّ على المعروف، قد عرف كلُّ فرد فيها واجبه فهو يؤديهِ قدْرَ استطاعته:

فالزوجُ يعاشرُ زوجَهُ بالمعروف، ويتقيْ اللهَ فيها، ويكرمُها بسماحةِ أخلاقِه، وبإنفاقهِ ومالِه، وبحرصهِ واهتمامِه.

والزوجةُ تعرف حقَّ زوجِها عليها، فتطيعهُ في غيرِ معصيةِ الله، ولا تخرجُ من البيتِ إلا بإذنه، ولا تُدخِلُ بيتَهُ أحداً إلا بإذنه، وتحفظهُ في نفسِها وعيالهِ ومالِه، وتعتني ببيتِها وخدمةِ زوجِها وأولادِها بمثلِ ما يقومُ به أمثالُها من النساء حسب المتعارف عليه.

والأبوانِ يعاملانِ أولادَهما بالرحمةِ بهم، والعطفِ عليهم، والعدلِ بينهم، ويجتهدانِ في حُسنِ التربيةِ والتوجيهِ والتأديب، فيحرصانِ على تعليمهم أصولَ الدينِ والإيمان، ومكارمَ الأخلاق والآداب، ويحرصانِ على تعليمِ أولادِهمُ اللغةَ العربية، وتربيتِهم على الاعتزازِ بها، فهي لغةُ دينِهم، وبها نزلَ كتابُ ربِّهم، وهي لسانُ  نبيِّهم ﷺ، وهي لغةُ تراثِهِمُ العَريق، وأساسُ بناءِ مُستقبلِهِمُ المجيد.

كما يربونهم على تحمل المسوؤليةِ المنوطةِ بهم، فالشاب يُنشّأ على الجدِِّ والحزم، وحبِّ العمل، واكتسابِ الرزق، والقيامِ بمسؤوليته تُجاهَ نفسهِ ودينهِ ووطنِه.

والفتاةُ تُنّشّأُ على الحِشمةِ والحياءِ والسترِ، والصفات الحميدة التي تُؤَهِّلَها لتكونَ امرأةً صالحةً تقومُ بوظيفَتِها الأساسيةِ التي لا يمكن أن يؤديَها غيرُها باعتبارِها زوجةً وأُمّاً وربّةَ بيت.

والأولادُ يُعاملون آباءَهم وأمهاتِهم بالبرِّ والتوقير، والرحمةِ والتقدير، والطاعةِ في المعروف، يحرصونَ على القُربِ منهم بالرُّوحِ والجَسد، ومبادلَتِهم أطرافَ الحديث، والمسارعةِ في خدمتِهم، ويحفظونَ فيهم وصيةَ ربِّهم جلّ وعلا، ووصيةَ نبيِّهم ﷺ، رغبةً فيما وعد الله به أهل البر: من الأجرِ والثواب، وعالي الجنان، وطولِ العمر، وسَعةِ الرزق.

ويتعاملُ الأولادُ مع آبائِهم وأُمَّهاتِهم عندَ الكِبَرِ بما وصّى اللهُ به في قولهِ تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا ‌يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾

فبهذه الأخلاقِ الحميدة، والقِيَمِ الرَّفيعة، وأمثالِها مما جاءتْ به الشريعة، تَسعد الأسرة، وتؤدي رسالتَها في إخراجِ أجيالٍ تؤمنُ بالله وتُصدّقُ المرسلين، مهتديةً في الدنيا، سعيدةً في الآخرة بإذن الله.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما.

 أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على بيوتكم، فإن المخاطرَ التي تهدّدُ الأسرةَ اليومَ كثيرةٌ جداً، منها الأنظمةُ الخبيثة التي تحاول فَرْضَ تعريفٍ جديدٍ للأسرة، وأَنّها يمكن أن تتكوّنَ من ذكرٍ وذكر، وأنثى وأنثى، وأنّهُ يمكن أن تنشأَ صداقةٌ بين ذكرٍ وأنثى ويكونَ بينهما أولادٌ دونَ عقدِ نكاح، وغيرُ ذلك مما تروج له الثقافة الغربية وهدفُها الأساس تدميرُ الدينِ، وهدمُ الأخلاق، وتقليلُ أعدادِ البشرِ قدرَ الإمكان، أعاذنا الله وإياكم مِن انتكاسِ الفِطَر.

ومن المخاطرِ التي تُهدِّدُ النظامَ الأسريَّ: عزوفُ الشبابِ والبناتِ عن الزواج بسببِ تكاليفهِ الباهضة، وكثرةِ الفتنِ والمغريات، وكثرةِ الدعايات المنفّرة عن رباطِ الزوجية باعتبارهِ حِمْلاً كبيراً، وقَيْداً ثقيلاً، فخفّفوا أعباءَ الزواج، وشجّعوا أبناءكم وبناتكم على المبادرة إليه، وذكّروهم بأن الناكح يريدُ العفاف مُعانٌ على أمرهِ بعونِ الله تعالى قال عزَّ وجلّ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فَهَذَا وَعْدٌ لِلْمُتَزَوِّجِينَ طَلَباً لرضا الله، وَاعْتِصَامًا مِنْ مَعَاصِيهِ بِالْغِنَى ممن لا يُخلفُ الميعاد سبحانه وتعالى.

ومِن المخاطرِ التي تُهدّدُ الأُسرَ اليومَ مقارنةُ الإنسانِ نَفْسَهُ بغيره لا سيّما بما يعرضهُ سفهاءُ وسائلِ التواصلِ من تفاصيلِ حياتِهم المترفة، من ملابسَ ومراكبَ وبيوتٍ وأثاثٍ وأسفارٍ وغيرِ ذلك، فيقارنُ كثير من الأبناءِ والبناتِ والزوجاتِ حالَهم بحال أولئك المشاهير -كما يقال- فينسونَ نعمةَ اللهِ عليهم، ويتذمّرونَ من مستواهم المعيشي، ويَدخلَهم الاكتئابُ والتسخُّطُ على آبائِهم أو أمهاتِهم أو أزواجِهم أو زوجاتِهم، فلا بدَّ من تربيةِ المسلمِ نفسَهُ وأهلَهُ على الصبر، والرضا بما قَسمَ الله، والقناعةِ بما أعطى الله، والنظرِ إلى من هو دونهم في الدنيا لا إلى من هو فوقَهم فيها كما أوصى نبيُّنا ﷺ بذلك كلَّ مسلمٍ ومسلمة.

حفظَ اللهُ بيوتَ المسلمين، وأصلح ذُرِّياتهم، وجعل بيوتَنا وبيوتَكم آمنةً مطمئنة، سعيدةً رشيدة، إنه سميع مجيب. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، وعنا معهم بمنِّكَ وكرمِكَ يا أرحمَ الراحمينَ. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعل اللهم هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق إمامنا وولي عهدِه لِمَا تُحِبُّ وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، “سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”.

One comment

  1. صلاح الليبي

    جزاك الله خيرا يا شيخ علي على هذه الخطب النافعة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *