العنوان : فضل العمل الصالح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأصلحوا أعمالكم واعلموا أن الله تعالى أمر عباده بالعمل الصالح ووعدهم عليه بكل خير، قال تعالى : ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ وقال تعالى ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ووعد من أصلح عمله بخير الدنيا والآخرة،
ومما وَعدَ اللهُ به مَن عمِلَ صالحاً أن يحييَهُ حياةً طيبة، وهذه الحياةُ الطيبة تشمل حياةَ الدنيا وحياةَ البرزخِ بعدَ الموت وحياةَ الآخرةِ بعد البعث، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
ووعد من أصلح عمله أن يقذِفَ حُبَّهُ في قلوبِ الصالحينَ من عبادِه في السماء والأرض، قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾
ووعد اللهُ مَن أصلح عمله بالأمنِ والعزِّ والتمكين قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
وبشّرَ اللهُ أهلَ العملِ الصالحِ بالأمن من الخوف ومن الحزن، فلا يخافون يومَ يخاف الكافرون، ولا يحزنون يومَ يحزن الكافرون قال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ لا يخافون عند الموت من المستقبل الذي ينتقلون إليه، لأن ملائكةَ الرحمة تبشرهُم عند الاحتضار برَوْحٍ وريحان وربٍّ غيرِ غضبان، فيحبون لقاءَ اللهِ ويحبُّ اللهُ لقاءَهم، ولا يحزنون على ما تركوه وراءَهم من المالِ والأهلِ والولد، فإنهم ينتقلون إلى خيرٍ مما كانوا فيه، ومَن كان مؤمناً من أهلهِ ألحقهم الله به، وجمع بينه وبينهم، وما ظنًّك بحياةٍ لا حزنَ فيها على فائت، ولا خوفَ فيها مِن مستقبل.
وبشّرَ اللهُ عبادَه بأنَّ العملَ الصالح من أسبابِ حفظِ الله لصاحبهِ وحفظهِ للضعفاءِ من ذريته مِن بعده، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ جعلني الله وإياكم من الصالحين المصلحين إنه سميع عليم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن العمل لا يكون صالحاً حتى يكون خالصاً لله، موافقاً لهدي رسول الله ﷺ فلا يقبل الله الرياء والسمعة وما أُريدَ به الدنيا، ولا يَقبلُ الله تعالى البدع والمحدثات وما خالف هَديَ محمد ﷺ.
عبادَ الله: تذكّروا أن أمنيةَ كلِّ كافرٍ وفاجرٍ ومُفَرِّطٍ عند الموت أن لو يعودَ إلى الدنيا ليعملَ صالحاً، قال تعالى ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ فها نحن في الفرصة والمهلة التي يتمناها كل ميت، فلنغتنمها قبلَ فواتِ الأوان.
وإن مما يستعين به العبدُ على القيامِ بالعملِ الصالح الدعاءَ الصادقَ أن يصلحَ اللهُ عمَلَه قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ ودعا سليمان ربه فقال ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ فادعوا الله كثيراً لأنفسكم وأهليكم وولاة أمركم بالصلاح، فإن الله لا يَردُّ مَن دعاه، ولا يُخيّبُ مَن رجاه.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، وعنا معهم بمنِّكَ وكرمِكَ يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وولي عهده بتوفيقِكَ، وأيِّدْهم بتأييدِكَ، يا سميع الدعاء، اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾