العنوان : خطر الشائعات وسبل مواجهتها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واحفظوا ألسنتَكم، فإن الأَلسُنَ إذا صمتَتْ سلِمتْ، وإذا تكلمتْ بخيرٍ غنِمَتْ، وإذا نطقتْ بشرٍّ هَلكتْ، قال ﷺ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه.
وإن من آفاتِ اللسانِ المهلكة، وأمراضهِ الـمُرْدِيَة، التحدثَ بالشائعات، ونشرَها وإذاعتَها، والشائعاتُ هي الأخبار التي يتناقلها الناسُ دون معرفةٍ بصحةِ مصدَرِها، وهي آفةٌ عظيمة، وخَطرٌ جسيم، لأنّ ضررَها لا يقتصرُ على المتحدثِ والمستمع فقط، بل تَعمُّ المجتمع كُلّه، وتؤثِّرُ في أمنهِ واستقراره، وتماسكِ أفراده.
فعلى المسلم أن يتحرّى الصدقَ والسَّداد في كل أقواله قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: 119] وقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]
وعلى المسلم أن يجتنب الكذب قال ﷺ “وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا» متفق عليه.
ونقلُ الشائعاتِ من الكذب، لقوله ﷺ: «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع» والمعنى أنه لو لم يكن في الإنسانِ إلا هذه الخَصلةُ لكانت كافيةً في إهلاكهِ والعياذُ بالله، وقال ﷺ في زعموا «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ» رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الالباني. وقال ﷺ : «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ» متفق عليه.
ولما كانت الشائعاتُ مجهولةَ المصدر فغالباً ما يكونُ مقصودُ مَن أطلقها متخفياً عن الأنظار الإضرارَ بالمجتمع في أمنه، أو اقتصاده، أو تلاحمهِ مع قيادته، أو ثقتهِ بعلمائه، لذلك كان على المسلم أن يحفظ لسانَه وأن يَرُدَّ القضايا العامةَ المؤثِّرةِ إلى أولي الأمر، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]
إخوةَ الإيمان:
إنّ خيرَ ما تُواجه به الشائعات:
أولاً: الحرصُ على التثبت والتحري من مصادرِ الأخبار والمعلومات، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» [الحجرات: 6] فليعوّد كلٌّ منا نفسَهُ على تلقّي المعلوماتِ من مصادِرها الصحيحةِ الموثوقة، وإنّه حرصاً من الدولة وفقها الله على نشر المعلومات الصحيحة وقطعاً للطريق على الشائعات أصبح لكل مؤسسةٍ حكوميةٍ متحدثٌ رسميٌ، أو موقعٌ رسميٌ، هما المصدر الموثوق للأخبارِ والمعلومات المتعلقة بذلك القطاع.
ثانياً: أن يكذّب الشائعة القبيحة، ويحسّن ظنّهُ بإخوانهِ من أهلِ العلم، ويحسن ظنه بقيادته وولاة أمره، ويحسّن ظنه بكل مسلم ومسلمة ظاهرهم السلامة مما اتهموا به، قال تعالى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: 12]
ثالثاً: أن يَكفَّ لسانَه عن نشر تلك الشائعة، كما قال تعالى في شأن شائعة الإفك: « إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 15 – 17] فبهذا تُوأَدُ الشائعات، وتُقتلُ في مَهْدِها، ويُكفُّ عن المسلمينَ شَرَرُها ونارُها. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله في أقوالكم وأعمالكم قال تعالى ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36]
واعلموا أن الشائعاتِ ليستْ بالأمرِ الهيّن، فكم من أعراضٍ طاهرةٍ بريئةٍ لُوِّثَتْ بسببِها، وكم من نفوسٍ معصومةٍ أُزْهِقَتْ بسببِها، وكم من مجتمعٍ آمنٍ فككتهُ الفتنُ والفوضى بسببِها، ولكمْ عظةٌ وعبرةٌ في الأحداثِ التي وقعتْ في عهدِ عثمانَ رضي اللهُ عنه وانتهتْ بقتله، ونشوبِ فتنٍ عظيمةٍ في المجتمع، شتّتْ شملَه، وفرّقتْ كلمتَه، لقد كانتْ تلك الشرورُ العظيمةُ نتيجةَ الشائعاتِ المغرضة التي أُشيعتْ ونُشِرتْ في الآفاقِ لتشويهِ سُمعةِ عثمانَ رضي الله عنه وتشويهِ سمعةِ أمرائهِ وسياستِه، وقد حقّقَ المنافقونَ والأعداءُ المندَسّون مآربَهمْ من خلالِها.
وهذه الحربُ تمارسُ اليومَ ضدَّ قيادتِنا وعلمائِنا ومؤسساتِنا ومجتمعِنا للغايةِ نفسِها، فالحَذَرَ الحَذَرَ، فإنَّ خطرَ الشائعاتِ اليومَ أشد؛ لأَنّ نشرَها أسهل، ولأنّ وسائلَ التدليسِ وقلبَ الحقائق، أكثر، ولأنّ مستوى أدواتِ التمويهِ والتضليلِ صارت اليومَ على درجةٍ كبيرةٍ من الاحترافية، حتى إنه ليصعبُ معها التمييزُ بين الحقِّ والباطل، والصدقِ والكذبِ على كثيرٍ من الناس، كفانا الله وإياكم شُرورَ الشائعات، وسائرَ الفتنِ والشبهات.
معاشرَ المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، وعنا معهم بمنِّكَ وكرمِكَ يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وولي عهده بتوفيقِكَ، وأيِّدْهم بتأييدِكَ، يا سميع الدعاء، اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾