جديد الإعلانات :

العنوان : أدلة بطلان الاحتفالِ بمولدِ النبي صلى الله عليه وسلم

عدد الزيارات : 1508

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنه مما شاع في كثير من البلدان الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام، وعَملُ المولدِ من البدعِ الُمحدَثة، والبِدَعُ في الدِّينِ شرٌ عظيم وإن اسْتَحْسَنَها بعضُ الناس، لقولهِ ﷺ: (وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَ كلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة) وكان يقول في خطبته (وشرَّ الأمور محدثاتها وكلَّ محدثة بدعة وكلَّ بدعة ضلالة وكلَّ ضلالة في النار).

ومَن ابتدعَ في الدين بدعةً فقد جَعَلَ نفسَهُ مُشَرِّعَاً مع الله، والتشريعُ حقٌ لله وحده، لأنَّ الله تعالى أنكر على مَن اتخذ مُشَرِّعاً مع الله فقال سبحانه (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

والابتداعُ في الدين يعني أنّ صاحبَه لم يلتزم بمقتضى قولهِ تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) لأنّ لسانَ حالهِ يقولُ: إنّ الدينَ تنقصهُ هذه الخصلةُ مِن الخير فأنا أُكمّله بها، وهذا أمرٌ شنيعٌ لو تأمَّلهُ من أُشرِبَ قلبُهُ حبَّ البدعِ والمحدثات.

وقد يقول قائل ويسأل سائل: لِمَ كان الاحتفالُ بالمولدِ النبوي بدعةً وضلالةً؟ فالجواب كما يقول العلماء الربانيون الراسخونَ في العلم أنه:

لو كان الاحتفالُ بالمولدِ مشروعاً لرَغّبَ اللهُ تعالى عبادَه فيه في كتابه الكريم أو أَمَرَهُم به، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)

ولو كان مشروعاً – ولم يَـرِدْ في كتاب الله – لجاء الأمرُ به أو الترغيبُ فيه في سنةِ النبي ﷺ القولية، أو لفَعَلهُ ﷺ ولو مرةً واحدةً في عمره الشريف فإنه عاشَ بعد بعثتهِ ثلاثاً وعشرينَ سنةً ولم يحتفلْ بمولدهِ ولا مَرّةً واحدة، وهو الناصحُ لأمته الحريصُ عليها، الذي لم يَدَعْ خيراً إلا أَمرَها به، ولا شَرّاً إلا نهاها عنه. ولم يَغُشَّ أُمّته ولم يكتمها شيئاً أُمِر بتبليغهِ عليه الصلاة والسلام.

كذلك لو كان الاحتفال بمولده ﷺ مشروعاً لبادرَ إليهِ خلفاؤه الراشدون وأهلُ بيته الأقربون، وأصحابه الأنصارُ والمهاجرون، فهم أشدُّ الناس له حباً، وأوسعُ الناسِ بالدين علماً، وأعظمُ هذه الأُمةِ على الخيرِ حِرصاً.

ولو كان مشروعاً لفعلهُ السلفُ الصالحُ من أئمةِ التفسير والفقه والحديث من التابعين وأتباعِ التابعين، والأئمةِ الأربعة، أصحابِ المذاهب المتبوعة المعروفة.

فهل يُعقل يا عبادَ الله أن يكون الاحتفالُ بالمولدِ النبوي من شُعَبِ الإيمان، ومن خصالِ الخير ، ومن الأعمالِ الصالحة التي تُقَرّبُ إلى الله زُلْفَى ثم لا يكونُ له ذِكْرٌ في القرآنِ ولا في السنّة، ولا عُرِف في القرونِ المفضّلة المشهودِ لها بالخيرية في قوله ﷺ : (خيرُ الناسِ قَرنِي، ثم الذين يَلونَهم، ثم الذين يلونهم).

أيُعْقَلُ أن يطويَ اللهُ هذا الخيرَ عن أحبِ الخلقِ إليه ثم يكشفه لبني عُبيدٍ القَداّحِ ملوكِ مصرَ والمغربِ في أوائل القرن الرابع الهجري الذين هم أوّلُ مَن أحدث هذه الموالد، وغَرَّ الأُمّةَ بها وهم مِن أكفرِ الناس، حتى قال عنهم أهلُ العلم (ظاهرُهم الـــرَّفْض، وباطنُهم الكُفرُ الـمَحْض) هيهاتَ ما أبعدَ هذا وأبطلَه.

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بِسُنّةِ نبيِّكم ﷺ، وسُنَّةِ سلفِكم الصالح وإن قَلَّ أهلُها، واجتنبوا البدعَ وإن ْكَثُر أهلُها، فإنَّ الكثرةَ ليستْ دليلاً ولا حُجّة، إنّما الدليلُ كتابُ الله وسنةُ رسولِ الله ﷺ وما كان عليه أصحابُهُ رضوانُ اللهِ عليهم أجمعين.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وتمسك بسنته واتبع هداه إلى يوم الدين أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنّ الاحتفالَ بالمولدِ النبوي بدعةٌ مُحدثة ولوِ اقْتُصِرَ فيه على الاجتماعِ على قراءةِ سيرتِهِ ﷺ، لما سمعتم من الأدلة، فكيفَ واحتفالاتُ الموالدِ لا تكادُ تخلو من البدع والمحدثات والمجاهرة بالمعاصي كإنشاد القصائدِ التي تغلو في النبي ﷺ غُلُوّاً عظيماً حتى تجعلَهُ نِدّاً للهِ تعالى يَعلمُ الغيوب، ويَكشِف الكروبَ، ويغفرُ الذنوب، ويجيبُ الداعي، ويُعطي السائل، ومن أشهر قصائد الغلو في النبي ﷺ قصيدةُ البُرْدَةِ للبُوصِيْرِي. وقد حذَّرَ النبي ﷺ أمته من الغلو في الصالحين عامة ومن الغلو فيه خاصة فقال ﷺ «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» رواه البخاري. ومعنى لا تُطْرُوْنِي أي لا تبالغوا في مدحي. وقال ﷺ: (إياكم والغُلوَّ فإنما أهلك من كان قبلكم الغُلوُّ في الدين) رواه أحمد والنسائي. وقال سبحانه محذراً هذه الأمة أن تسلك مسلكَ النصارى في الغلو في عيسى بن مريم (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)

ومن البدعِ المشهورة في الموالدِ قيامُ المحتفلينَ في لحظةٍ معينة لاعتقادِهم أن النبيَّ ﷺ يحضرُ فيها حفلَهم ويمرُّ بهم ويشارُكهم.

ومنها أن بعض الموالد قد يشوبها الاختلاطُ ورقصُ النساء بحضرةِ الرجال، واستعمالُ المعازفِ وغيرُ ذلك من المنكرات والعياذُ بالله، ومن تعبّد الله في المساجد أوالبيوت بالطبل والرقص والتصفير والتصفيق فقد شابهَ المشركين الذين قال الله فيهم : (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) أي إلا صفيراً وتصفيقاً.

عبادَ الله: إنّ الاحتفالَ بالمولدِ ليس تعبيراً صحيحاً عن حُبِّ النبي ﷺ وإنّما حبهُ الصحيح امتثالُ أمرهِ واجتناب معصيته كما قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والاحتفال بمولده ليس من اتباعه فليس من حُبِّهِ الشرعيِّ إذَنْ، فالاحتفالُ ليس علامةً صحيحةً على حبه ﷺ، بل التعبّدُ لله بتركِ الاحتفالِ به هو الحبُّ الصحيحُ لما فيهِ من امتثالِ أمرهِ واجتنابِ نهيه ﷺ.

ومن أراد دراسةَ سيرته ﷺ فليدرسها متى شاء فالعام كُلُّهُ وقتٌ مناسبٌ لدراستها لا أن تُخَصَّ بيومِ المولدِ وتُهملَ سائرَ العام.   فاصرفوا أَنفسَ أعمارِكِم في دراسةِ سيرته ﷺ لا سيَما ما كان منها بعد بعثته، وادرسوا سُنَّتَه، وتفقّهوا فيها واعملوا بها، فإنه ﷺ أسوتنا كما قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم مسِّكنا بِسُنّتِه، واتّباعِ شِرْعتِه، واحشرنا يوم القيامةِ في زُمرتِه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين.

اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا. اللهم هيئ لهم الباطنة الصالحة الناصحة وانصر بهم دينك وسنة نبيك ﷺ واستعملهم في طاعتك وصلاحِ بلادك وعبادك يا رب العالمين، اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا، وادحر كيد عدوّنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *