بر الوالدين | التحذير من استعمال الذكاء الصناعي في الإثم والبغي | أثرُ علماء السنة في حفظ الدين، وعداوةُ أهلِ الأهواء لهم. | خطر نشر الشائعات والغيبة والنميمة، وبيان آثارها السيئة على الفرد والمجتمع. | شروط النصر والتمكين، والحث على صوم عاشوراء | من أحكام وآداب الحج | فضل عشر ذي الحجة والحث على اغتنامها وبعض ما يشرع فيها |

العنوان : بر الوالدين

عدد الزيارات : 468

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أما بعد : فإن من أعظم الحقوق على العبد بعد حق الله تعالى حقَّ والديه عليه، بالبر بهما، والإحسان إليهما، ومما يدل على ذلك أن الله قرن حق الوالدين بحقه في مواضع من كتابه الكريم،  قال جل وعلا (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،  وسئل النبي ﷺ: أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: “الصلاةُ لوقتها” قيل: ثم أيٌّ؟ قال: “ثم بر الوالدين” الحديث متفق عليه. ولا ريب أنَّ حقاً يأتي بعد حق الله تعالى لَحَقٌ عظيم.

عباد الله:

إن في بر الوالدين من الأجر العظيم والثواب الجزيل، والخير العاجل والآجل في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله فمن ذلك أن بر الوالدين سببٌ لرضا الله عن العبد قال ﷺ : “رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ”. رواه الترمذي، وصححه الحاكم. وهو أيضاً من أسباب دخول الجنة من خير أبوابها قال ﷺ “الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ” رواه الترمذي وصححه. والوالد في الحديثين يشمل الأب والأم.  

ومما يدل على عظم حق الوالدين أنه مقدم على الجهاد في سبيل الله فقد أقبل رجل إلى نبي الله ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: “فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟” قال: نعم، بل كلاهما، قال: “تبتغي الأجر من الله؟” قال: نعم، قال: “فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما” رواه مسلم.

وجاء جَاهِمَةُ رضي الله عنه إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَالْزَمْهَا، فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا» صححه الحاكم.، فتأمّل كيف قدّم النبي ﷺ برَّ الوالدين على الجهاد في سبيل الله مع أنه من أعظم الأعمال وأشرف المقامات في الإسلام.

عباد الله:

لقد أوصى الله بالوالدين إحساناً ولو كانا كافرين بل ولو كانا يجاهدان ولدَهما المسلمَ على أن يشرك بالله كما قال تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وجاء النهي الشديد عن عقوق الوالدين ولو بأدنى صورة قال تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ) وقال ﷺ (أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ) متفق عليه،  وقال ﷺ (لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ) رواه مسلم، ويُروى عن النبي  ﷺ أنه قال: “كل الذُّنُوب يُؤَخر الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عقوق الْوَالِدين فَإِن الله يعجله لصَاحبه فِي الْحَيَاة قبل الْمَمَات” رَوَاهُ الْحَاكِم وقال: صَحِيح الْإِسْنَاد.

رزقني الله وإياكم بر الوالدين، وأنعم علينا وعلى والدِينا بالسعادة في الدارين أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن صور البر بالوالدين كثيرة منها طاعتهما في المعروف، والدعاء لهما، والتأدب معهما، والتواضع لهما، ومحادثتهما بأحسن الحديث، وإدخال السرور عليهما، والإنفاق عليهما إذا احتاجا، وقضاء الديون التي عليهما لله كالحج والعمرة الفريضتين، وصوم النذر ورمضان، والديون التي عليهما للناس حسب القدرة والاستطاعة. ومن البر بهما صلة أقاربهم وأهل وُدِّهم، وإنفاذُ وصيتِهم وعهدِهم.  

وكلما تقدم الوالدان في العمر تأكد حقهما لمزيد حاجتهم إلى الرعاية والعناية لما ينزل بهم من الضعف والعجز والمرض وما يستلزمه ذلك من السهر وتعاهد الأدوية، ومراجعة الأطباء وغير ذلك قال تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)

ونحمد الله تعالى أننا نرى هذه الآداب وغيرها من صور البر والإحسان شائعة ظاهرة في مجتمعنا الكريم، واللهَ نسأل أن يزيدها قوة وثباتاً وأن يعيذنا من منكرات الأخلاق ومساوئها.

 اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.    


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *