جديد الإعلانات :

العنوان : 5- وجوب البدء بالتوحيد في الدعوة إلى الله

عدد الزيارات : 9201

عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) رواه البخاري ومسلم

التعريف بالراوي :

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه وقال ابن مسعود: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة .

التعليق :

1- من واجبات ولاة أمور المسلمين بعث الدعاة إلى الله لدعاء الناس إلى ربهم ليعبدوه وحده ويدعوا عبادة ما سواه ولتفقيههم في دينهم وتعليمهم شرائعه ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث علماء الصحابة معلمين وأمراء وحكاماً ليبصروا الناس بالدين الحق كما بعث علياً ومعاذ بن جبل وأبا موسى إلى أهل اليمن لهذه المهمات الجسام. وكما بعث سبعين من قراء الصحابة أي فقهائهم إلى بعض قبائل العرب لهذه المهمة ايضاً ولكن  حصل لهم ما حصل من الغدر بهم في الوقعة المعروفة ببئر معونة.

2- لما كانت الدعوة إلى الله تفتقر إلى العلم والفهم كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما يختار لها أهل العلم كمعاذ بن جبل وأمثاله فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتفاوتون في حظوظهم من العلم مع جلالة قدر الجميع ورفيع رتبتهم رضوان الله عليهم.

3- في هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة الصحيحة في ترتيب قضايا الدعوة إلى الله تعالى فبدأ أولاً بالدعوة إلى التوحيد لأنه الأساس الأعظم الذي تصح به الأعمال وتقبل وهكذا لم يبعث الله رسولاً إلا ويبدأ بالتوحيد بل يكون التوحيد هو موضوع دعوته الرئيس وما عداه فإنما يكون تبعاً له قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا لله واجتنبوا الطاغوت) وقال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقص الله تعالى عن نوح وهود وصالح وغيرهم أن كلاً منهم جاء قومه فقال (اعبدوا الله مالكم من إله غيره)

والحكمة واضحة في سبب البداءة بالتوحيد وترك الإشراك به وهو أن الشرك أعظم الذنوب ولا يقبل الله معه عملاً مطلقاً كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وكما قال تعالى (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فمن مات عليه لم ينفعه شيء والعياذ بالله ولو كان عنده عمل طيب من بر وصلة وحسن خلق وعفة وعدل وغير ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها..

فكان من حكمة الله أن أرسل الرسل يأمرون أولاً بالدعوة إلى هذا الأساس العظيم فإن استجاب الناس نقلهم إلى ما بعده من العبادات والنهي عن المحرمات حتى يتكامل الشرع الذي أرسل به.

وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم ينزل عليه فيها صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا شرب خمر ولا غيره إلا أن الصلاة شرعت في السنة العاشرة فلما هاجر إلى المدينة ودخل الناس في دين الله واطمأنت به القلوب نزلت الأحكام تباعاً عن عائشة رضي الله عنها قالت : (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده) رواه البخاري

قال ابن حجر : ” أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنـزيل، وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد، والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار”. الفتح 9/40

ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى الصلاة المفروضة ثم إلى إخراج الزكاة وذلك يعني أن يدعوهم إلى سائر شرائع الإسلام إذا هم دخلوا فيه فإن من صلى وزكى لا يشق عليه أن يقبل ما سواهما من شرائع الدين.

4- على الداعي إلى الله أن تكون دعوته مبنية على العناية بشأن التوحيد ولو كانت دعوته في مجتمع مسلم فإن مسائل التوحيد كثيرة وصور ما يضاد التوحيد أو يخدش فيه أو ينقص منه كثيرة متجددة تخفى على كثير من الناس فإذا تركوا دون بيان وقعوا فيها بسبب الجهل (ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه). كما أن الناس يختلط بعضهم ببعض ويتأثر بعضهم ببعض فلا يؤمن دخول العقائد الفاسدة إلى المجتمع المسلم وتسللها إليه.ومع تطور وسائل النقل والاتصالات بأنواعها صار البلاء أعظم والشر اقرب وصارت العناية بشأن التوحيد ألزم وأعظم حماية لعقائد الناس من الفساد والانحراف.

فيعنى بالتوحيد مع عنايته بقضايا الشريعة الإسلامية الأخرى كالأمر بالصلاة أو الزكاة أو النهي عن الفواحش وشرب الخمور والمعاملات الفاسدة وغير ذلك من أبواب الشريعة .

هذا كله فيما يتعلق بالمجتمع النقي أو شبه النقي من شوائب الانحرافات العقدية، أما إذا كان المجتمع قد دخله الانحراف أصلاً في باب العقيدة كالانحراف في الأسماء والصفات والوقوع في الغلو في القبور والأضرحة أو المشايخ أو آل البيت أو الانحراف فيما يتعلق بالصحابة ونحو ذلك فلا شك أن العناية بهذه الجوانب والاهتمام بإصلاحها هو من أول ما يلزم الداعي إلى الله تعالى في ذلك النوع من المجتمعات وما أكثرها في العالم الإسلامي اليوم .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *