العنوان : من آداب السلام وأحكامه
الخطبة الأولى :
أما بعد:
إن التحية من المظاهر الاجتماعية المستحسنة عند الناس على اختلاف أوطانهم وأديانهم لما توحي به من مشاعر الأمن والطمأنينة، فإن الذي يحييك لا يفعل ذلك وهو يريد بك شراً في الأحوال المعتادة.
وقد جاء الإسلام بأحسن التحايا وأفضلها وأكملها لفظاً ومعنى. فتحية المسلمين السلام والتي معناها الدعاء للمسلم عليه بالسلامة والعافية في دنياه وآخرته.
كما أن فيها الدعاء بالرحمة وإذا رحمك الله غفر ما مضى من ذنبك وحفظك فيما تستقبل من عمرك.
وفيها الدعاء بالبركة وهي الخير وإذا بارك الله فيك ولك نفعك الله بعلمك وعمرك ومالك وأهلك ونفع بك فلا تكون في مكان إلا وانُتفع بك وهذا مقصد عظيم قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام (وجعلني مباركاً أينما كنت).
فأكمل ألفاظ السلام أن تقول (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ثم دونها أن تقول السلام عليكم ورحمة الله ثم دون ذلك أن تقول (السلام عليكم). وكلما تمّ السلام كان أعظم أجراً .
عن عمران ابن حصين رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ، ثم جلس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (عشر، ثم جاء رجل آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه ، ثم جلس ، فقال عشرون ، ثم جاء آخر، فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، وجلس فقال : ثلاثون) رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
ولما في هذه التحية الإسلامية المميزة من الخير الكثير فقد جاء الترغيب فيها وبيان فضائلها:
فمن ذلك أنها من خير أمور الإسلام عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ _ يعني أي خصال الإسلام خير وأفضل_ قال صلى الله عليه وسلم : (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف). متفق عليه.
ومن فضائلها أنها من أسباب المودة والمحبة بين المسلمين ، والتي هي من أسباب دخول الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم
وابتداء السلام سنة مؤكدة، لترغيب الشارع فيه كما تقدم في الأحاديث السابقة، ورده واجب.
والرد على درجتين درجة واجبة ودرجة مستحبة فالواجبة أن ترد السلام بمثله فإذا قال المسلم السلام عليكم وجب أن تقول وعليكم السلام. وإذا قال السلام عليكم ورحمة الله وجب أن تقول وعليكم السلام ورحمة الله. وإذا زاد وبركاته تزيد في الجواب وبركاته.
ودرجة مستحبة وهي أن تزيد عليه فإذا قال السلام عليكم فالأفضل أن تزيد عليه ورحمة الله أو تكملَها إلى وبركاته قال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) قال ابن كثير (فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة).
ومن هنا نعلم غلط من يرد السلام بقوله أهلاً أو مرحباً ونحو ذلك من العبارات لأنه لم يرد التحية بمثلها فضلاً عن أحسن منها.
أما لو رد التحية بمثلها أو أحسن منها ثم جاء بهذه العبارات وأمثالها فلا باس به. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (مرحباً بأم هانئ) كما في الصحيحين.
(((ومن آداب السلام وأحكامه)))
أولاً : إفشاؤه وإظهاره وإعلانه بين الناس ، حتى يكون شعاراً ظاهراً بين المسلمين، لا يخص به فئة دون أخرى ، أو كبيراً دون صغير ، ولا من يعرف دون من لا يعرف.
قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما ( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسه ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإقتار ). ومعنى بذل السلام للعالم أن يفشي السلام فيسلم على من لقيه.
وقد أصبح إفشاء السلام سنة مهجورة إلا عند من رحم الله فإن الناس لو رأوا من يسلم على كل من لقي لربما شكُّوا في عقله, وبعض الناس لو سلم عليه من لا يعرفه أخذ يتساءل في نفسه لم سلم؟ وماذا يريد؟ وهل يعرفني؟ ونحو ذلك من التساؤلات التي لم تنتج إلا بسبب قلة العناية بهذه التحية الإسلامية العظيمة.
إن ترك ابتداء الناس بالسلام من صور البخل المذمومة حتى جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :(أبخل الناس من بخل بالسلام) رواه أحمد والطبراني
ثانياً : يشرع تبليغ السلام ، وتحمله ، وعلى المبلَّغ أن يرد السلام ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ( إن جبريل يقرأ عليك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله). رواه البخاري
ثالثاً : الأفضل في الابتداء بالسلام أن يسلم الصغير على الكبير ، والماشي على الجالس، والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً:(يسلم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد،والقليل على الكثير) رواه البخاري
رابعاً : من السنة إعادة السلام إذا افترق الشخصان ثم تقابلا ، بدخول أو خروج، أو حال بينهما حائل ثم تقابلا ، ونحو ذلك ، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم :(إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجرة ، ثم لقيه فليسلم عليه أيضاً). رواه أبو داود
وفي حديث المسيء صلاته(أنه كلما ذهب ورجع سلم ورد عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام ، فعل ذلك ثلاث مرات) رواه البخاري
وقال أنس رضي الله عنه (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يميناً وشمالا ً، ثم التقوا من ورائه سلم بعضهم على بعض). رواه ابن السني
خامساً : لا يجوز للمسلم أن يلقي السلام على الكافر ولو كان قريباً أو جاراً أو زميلاً في عمل ونحو ذلك قال صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) رواه مسلم
أما إن حضر موضعاً فيه أخلاط من المسلمين والكافرين ، فيسلم ويقصد المسلمين ، ففي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، فسلم عليهم) متفق عليه
وإذا سلم الكافر فإنه يرد عليه بـ (وعليكم) لما روى أنس رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا ، فكيف نرد عليهم ؟ قال : قولوا وعليكم) رواه مسلم
سادسا :
يجوز السلام على النساء المحارم ، أما غيرهن : فيجوز إذا أمنت الفتنة بهن وعليهن، وهذا يختلف باختلاف النساء ، والأحوال ، والمواضع ، فليست الشابة كالعجوز ، ولا من دخل بيته فوجد فيه نسوة فسلم عليهن كمن مر بنساء لا يعرفهن في الطريق، وأما المصافحة للنساء الأجانب فلا تجوز مطلقاً ، ومن أدلة ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم (لا أصافح النساء) . وقالت عائشة رضي الله عنها :(ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، إلا امرأة يملكها) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم (لأن يُطعن في رأس أحدكم بمِخيَط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) .
بارك الله لي ولكم في القرآن لعظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين
الخطبة الثانية :
أما بعد:
إن السلام تحية مباركة لا ينبغي التفريط فيها ولا التهاون بشأنها، ومما يؤسف له أن تجد كثيراً من الناس أخذ يستبدلها بغيرها كالتحايا الأجنبية أو التحايا الجاهلية.
أو يحيي أخاه بالتحايا المعروفة كصباح الخير ومساء الخير لكن مع إلغاء السلام وإهماله وهذا لا ينبغي أن يكون في المجتمع المسلم الذي يدرك حث الشارع الكريم على السلام وترغيبه فيه. والوعد عليه بالأجر العظيم.
ثم اعلموا رحمكم الله أن خير الحديث كتاب الله .. الخ
السلام عليكم
بارك الله فيك خطبة رائعة
قمت بإلقاءها و جزاك الله خيرا
هناك مسئلة القاء السلام عند مغادرة المجلس و ليس عند الدخول فقط