العنوان : الترهيب من التعدي على الأراضي بغير حق خطبة مكتوبة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله كما أمركم الله بذلك فقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا أنتم مسلمون) ، واتقوا الظلم في كل شيء لا تظلموا انفسكم بالشرك ولا بالبدع ولا بالفسوق والعصيان ولا تظلموا غيركم بالعدوان على أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم. قال الله تعالى في الحديث القدسي: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” وقال صلى الله عليه وسلم (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) .
وإن من أشد أنواع الظلم وأسوئه عاقبة وأغلظه عقوبة ظلم الاراضي وحيازتها بغير وجه حق. سواء كانت الأرض ملكاً لفرد أو ملكاً للدولة وسواء كانت المساحة المأخوذة بغير وجه حق كبيرة واسعة ، أو كانت صغيرة بمقدار شبر أو أصغر من ذلك.
فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أنه كانت بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» متفق عليه. وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله من غير منار الارض) أي غير حدودها ومراسيمها ليأخذ ما ليس له. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة”
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين”.
وقال صلى الله عليه وسلم “أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس” وفي رواية “من أخذ أرضاً بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر”
وقال صلى الله عليه وسلم: “أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض. تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا، إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين”
و قال صلى الله عليه وسلم: “من غصب رجلا أرضا ظلما لقي الله وهو عليه غضبان” وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا بغير طيب نفس منه، قال ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم على المسلم” أوردها الألباني جميعاً في صحيح الترغيب.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على عظم جناية غصب الأرض واستقطاعها بغير وجه حق شرعي ولو كان مقداراً يسيراً .
فمن يطيق لعنة الله له وطرده إياه من رحمته، ومن يطيق أن يلقى الله يوم القيامة وهو عليه غضبان، ومن يطيق أن يحمل في عنقه الارض التي غصبها من سبع أرضين؟ ومن الذي يطيق أن يحفر الأرض التي غصبها حتى يبلغ سبع أرضين فيطوق بها يوم القيامة. ومن يطيق أن يخسف الله به في جوف سبع أرضين؟!! ومن يطيق أن يحمل تراب الارض التي غصبها أو ظلمها إلى أرض المحشر حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. نعوذ بالله من غضبه وسخطه ونعوذ بالله من سوء حسابه وشدة عقابه.
فاتقوا الله عباد الله واقنعوا بما قسم الله ولا تمتد أيديكم إلى ما حرم الله. فإن الدنيا زهرة سريعة الذبول والذهاب، وإن المال فتنة واختبار، وإن الآخرة هي دار الجزاء، وفيها الخلود والقرار. فلنتزود لها بالتقوى وفعلِ ما يحب الله ويرضى واجتنابِ اعمال أهل النار فأن أجسادنا على النار لا تقوى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان وسلم تسليما.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن ظلم الأرض له صور كثيرة ومنها الاستيلاء على أرض الغير غصباً وقهراً، استغلالاً لضعفه كأراضي الأيتام ونصيب الأخوات في الأرض والبيوت من التركات. ومنها الدخول في ملك الجار بالحيلة بتغير حدود الأرض وأعلامها.
ومنها الاستيلاء على الاراضي المعدة للمنافع العامة كالحدائق أو الطرق أو المدارس أو غيرها..
ومنها البناء في الأراضي التي منعت الدولة من البناء والإحداث فيها بغير إذن.
ومن صور الظلم الداخلة في النهي حجز المكان في المسجد بوضع فرش أو كتاب أو نحو ذلك لنفسه أو لغيره ثم يجيء متأخراً فيمنع من هذا المكان من سبقه إليه بنفسه كما أفتى به المفتي الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.
عباد الله:
إن بعض الناس قد يتحايل على المسؤولين أو على القضاء أو على البلديات أو يستغل جاهه أو نفوذه فيأخذ ما ليس له بحق عن طريق اليمين الكاذبة أو شهادة الزور أو عن طريق الرشوة أو بأي طريق آخرَ غيرِ مشروع، فما استخرجه بهذه الطرق من مستندات أو صكوك تفيد ملكه لشيء من الأراضي والعقارات لا تغنيه عند الله شيئاً بل هو باغٍ ظالمٌ ، متعدٍ آثم. فعن الأشعث بن قيس رضي الله عنه قال كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» ، قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالًا، وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» متفق عليه.
ولنتذكر أيضاً أنه إذا كان الظالم للأرض آثماً متوعداً بهذه العقوبات فإن من أعانه بشهادة أو بغيرها من الوسائل هو مشارك له في الإثم والجرم والعياذ بالله لأنه متعاون معه على الإثم والعدوان والله تعالى يقول {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2] هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير سيد الأولين والآخرين والمبعوث رحمة للعالمين اللهم صل وسلم عليه وعلى خلفائه الراشدين وأزواجه وأهل بيته وعامة أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وأصلح لهم البطانة ، وأرهم الحق حقاً وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلاً وارزقهم اجتنابه ولا تجعله ملتبسا عليهم فيضلوا. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.