العنوان : التعصب الرياضي خصلة جاهلية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن قوة الأبدان وصحة الأجساد وسلامتها من أسباب الضعف من المرض والهزال هو من نعم الله على العبد التي يجب عليه شكرها لأنها نعم العون على مصالح الدين والدنيا، فبها بعد توفيق الله يتمكن المسلم من القيام بالعبادات على الوجه الأكمل الذي لا يطيقه المريض والضعيف كالمحافظة على الصلاة مع الجماعة وشهود الجمع والأعياد، والتقرب الى الله بالصيام والحج إلى البيت الحرام والجهاد بالنفس واليد والجد في طلب العلم وتحصيله والخروج والرحلة في سبيله.
كما أن الصحة والقوة في البدن نعم العون على مصالح الدنيا وأداء حقوق العباد كطلب الرزق الحلال والقيام بحق الزوج والعيال، وصلة الأرحام وزيارة الإخوان في الله. إلى غير ذلك من المصالح التي لا تعد ولا تحصى مما لا يمكن أداؤها بالكلية أو أداؤها على الوجه الأكمل الا بتمام الصحة الجسدية والقوة البدنية.
وقد امتن الله تعالى في كتابه بهذه النعمة على من أعطاه إياها فقال عن طالوت (وزاده بسطة في العلم والجسم) وقال هود لقومه {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ونوه بشأن جبريل عليه السلام فقال (ذي قوة، عند ذي العرش مكين) أي شديد الخَلْق له مكانة عند الله.
ولما كانت قوة الأبدان وصحتها بهذه المنزلة جاء الإسلام وهو الدين الذي تستوعب رسالته مصالح الأبدان والقلوب ومصالح الدين والدنيا جاء بالحث على ما فيه مصلحة الأبدان والنهي عما يضرها ومن ذلك على سبيل المثال أن ديننا يأمر بالأكل من الطيبات واجتناب الخبائث لأن الطيب يغذي البدن ويقويه والخبيث يضر البدن ويوهيه، ويأمر بالاعتدال وعدم الإسراف لأن الإسراف مضر بالبدن مهلك له فقال تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وأمر المسلم بإعطاء بدنه حقه من الراحة وغيرها مما يحتاج إليه البدن فقال صلى الله عليه وسلم (إن لجسدك عليك حقاً)، وفي العبادات ما فيه رياضة للأبدان وتنشيط لها كالحج والعمرة ففيهما السفر والمشي والسعي والحركة الدؤوبة، وكالصوم والجهاد وغير ذلك من العبادات، غير أنه لا يجوز للمسلم أن يؤدي هذه العبادات على أنها رياضات بدنية أو رياضات روحية لإخراج ما يسمى بالطاقة السلبية بل ينوي المسلم بصلاته وحجه وعمرته وكل عباداته التعبدَّ لله وحده والامتثالَ لأمره وابتغاءَ ما عنده.
وجاء ديننا أيضاً بالترغيب في الأخذ بأسباب الوقاية من الآفات والأمراض والعوارض المؤذية فشرع أذكار الصباح والمساء والنزول والركوب وأخبر عن بعض ما يحمي من السحر والسم طيلة اليوم.
وجاء بالحث على التداوي من الأمراض بعد نزولها فقال صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء).
فإذا اجتمعت صحة الأبدان مع صحة القلوب بإيمانها وخشيتها واستقامتها على علم واتباع كان ذلك من أحسن ما يعطيه الله لعبده قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) أي قوي البدن قوي الإيمان قوي العزيمة في الخير.
والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه يجد أنه كما كان يعتني بقلوبهم تربية وتعليماً ووعظا ً فإنه كان أيضاً يشجعهم ويرغبهم فيما تصح به أبدانهم وتقوى به أجسادهم فأذن لسمرة بن جندب أن يصارع الغلام الأنصاري لتتبين أهليته للمشاركة في الجهاد فتصارعا فصرعه.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سابق زوجته عائشة مرتين سبقته في الأولى وسبقها في الثانية فقال هذه بتلك.
واستأذن سلمةُ بن الاكوع أن يسابق رجلاً من الأنصار من أسرع الناس عدواً فأذن له فسابقه فغلبه.
وكان يسابق بين اصحابه على الخيل، ويحد لهم حدود البداية والنهاية مراعياً حال الخيل في ذلك قوة وضعفاً، وكانت له صلى الله عليه وسلم ناقة يقال لها العضباء لا تُسبق حتى جاء أعرابي يوما ً على قَعود له فسابق العضباء فسبقها.
وكان صلى الله عليه وسلم يشجع أصحابه على الرمي بالسهام ويقول ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وكان يقول ألا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي.
فهذه نبذة عن عناية الإسلام بالقوة البدنية والرياضات النافعة لنعلم بذلك كمال ديننا الإسلامي وسماحته واشتماله على المصالح كلها فللهِ الحمدُ ربِّ العالمين.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله معاشر المؤمنين واعلموا أن الرياضة في هذه الأعصار توسعت وتنوعت وعظم اهتمام الناس بها شعوباً ودولاً افراداً وجماعات، وصحبها في كثير من الأحيان ما يخالف الشرع المطهر ومن ذلك على سبيل المثال:
الرياضات المؤذية التي يقصد فيها اللاعب أذية خصمه بضربه في وجهه ورأسه والأماكن الخطرة في جسده والله عز وجل نهى العدوان فقال تعالى (ولا تعتدوا) وقال صلى الله عليه وسلم (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه).
ومن المخالفات الشرعية ممارسة الرياضة بالملابس التي تظهر العورات حتى المغلظة منها كما يكون في الرياضات المائية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك).
ومنها مخالطة النساء للرجال مع التكشف والرقص وغير ذلك مما لا يحل للمرأة المسلمة ولا يليق بحيائها وحشمتها.
ومنها التعصب الأعمى بين المشجعين لنواديهم حتى يصل بهم التعصب إلى السب والشتم والسخرية والاستهزاء والعداوة والكذب والافتراء وربما وصل إلى خراب بعض الأسر ووقوع الطلاق والتهاجر بين أهل البيت الواحد. وربما وصل إلى التحارب والتقاتل باليد والعصي والأسلحة كما يشاهد في بعض البلدان. ومن آثار التعصب الرياضي السيئة أن يكون الحب في النادي والبغض في النادي عليه الولاء وعليه البراء.
والتعصب بكل أنواعه سواء كان دينياً أو قبلياً أو عرقياً أو رياضياً كله من المحرمات فقد برأ النبي صلى الله عليه وسلم من أهل التعصب فقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية).
فعلى شبابنا خاصة وعلى المسلمين عامة أن يحذروا التعصب الرياضي وغيره لأنه يوهي من متانة الأخوة الدينية ويضعف اللحمة الوطنية ويجعل الناس فرقاً وشيعاً متباغضين متناحرين والعياذ بالله.
ولنحذر عباد الله من كل المخالفات الشرعية التي تكتنف الرياضات ولا تغتر يا عبد الله بكثرة من يتساهل فيها أو يقع فيها فإنك تأتي ربَّك وحدَك ويسألك ربُّك وحدَك والله المستعان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين ومسّكنا وإياهم بكتابك المبين وسنة سيد المرسلين، وزينا بمحاسن الأخلاق ومكارمها وعافنا من منكرات الأخلاق ومساوئها، اللهم عافنا في أبداننا وفي قلوبنا وعافنا في دنيانا وأخرانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك واجعل عملهم في هداك وألهمهم ما فيه محبتك ورضاك.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
اللهم بارك
خطبة قيمة
حفظكم الله