خُطبة للمغموم والمهموم ومن عليه ديون | التحذير من التبذير في الولائم | التحذير من إضاعة الصلاة | خطبة عيد الفطر 1446هـ ( أخطار تهدد الأُسرة ). | مما يشرع في ختام شهر رمضان | تجربة المملكة العربية السعودية في تعزيز منهج الوسطية والاعتدال ومكافحة الإرهاب | أثر العلم الشرعي في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتماسك المجتمع |

العنوان : خُطبة للمغموم والمهموم ومن عليه ديون

عدد الزيارات : 423

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

 أما بعد:

فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون هذه الحياة الدنيا منغصة اللذات والأفراح بالحزن والهم والخوف والغم، بسبب مكروه واقع، أو محبوب فائت، بسبب مرض مؤلم، أو دين مثقل، أو أمنية لم تحصل، أو لغير ذلك من الأسباب.

ومن رحمة الله تعالى وكرمه ولطفه أن جعل لكل داء دواءَ، ولكل مرضٍ شفاءَ، ومن ذلك الغموم والهموم والأحزان فقد أنزل الله السلاح الذي نواجه به جيوشها، وأنزل الدواء الذي نداوي أمراضها، وذلك من فضل الله على عباده.

فمما يستعين به العبد على ما يصيبه من كدر الدنيا وغمها وهمها أن يعلم أن هذا الغم والهم والحزن كفارة لصغائر ذنوبه وسيئاته، وإذا تأمل العبد هذا المعنى فرح بفضل الله ورحمته وعلم أن قضاء الله له فيه خير له، وفي ذلك يقول ﷺ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» رواه مسلم.

ومما يستعين به العبد ويتسلح به عند نزول الهموم والغموم به الفرار إلى ذكر الله ودعائه ولا سيما بالأذكار والأدعية الواردة في شأن الكرب والهم والحزن، قال ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ» متفق عليه.

وقال ﷺ: «دعواتُ المكروبِ: اللهُمَّ رحْمتَك أرجُو، فلا تكلْنِي إلى نَفْسي طرْفَةَ عَينٍ، وأصلحْ لي شأني كُلَّهُ، لا إلهَ إلا أنتَ» رواه أبو داود.

وجاء رجل إلى علي بن أبي طالب يطلب إعانته في قضاء دين عليه فقال له : “أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيْرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: قُلْ: “اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ” رواه الترمذي وحسّنه الألباني.

 وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لمعاذٍ: “ألا أُعلِّمُك دعاءً تدْعو به لو كانَ عليكَ مثلُ جَبلِ أُحُدٍ ديْناً لأدَّاهُ الله عنكَ؟ قلْ يا معاذُ: «اللهمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشاءُ، وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. رَحمنَ الدنيا والآخِرة ورحيمَهما، تُعْطِيهما مَنْ تشاءُ، وتَمْنَعُ منهما مَنْ تشاء، ارْحَمْني رَحْمةً تُغنْيني بها عنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاكَ» قال المنذري: إسناده جيد.

فهذه أدعية نبوية مباركة فيها بإذن الله زوال الكروب، وذهاب الغموم، وقضاء الديون.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واصدقوا اللجوء إلى الله، فهو الجواد الكريم، يغفر الذنب، ويقبل التوب، ويعطي السائل، ويكشف الضر، ويجيب دعوة المضطر.

عباد الله:

من الأدعية النبوية المباركة التي يكشف الله بها الأحزان والهموم والغموم، والتي رغّب النبي ﷺ أمته في تعلمها قوله ﷺ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ،

نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ،

أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ،

أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا»

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ , يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟،

قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» صححه ابن حبان.

وقد اشتمل هذا الدعاء على أربع قضايا عظيمة:

الأولى: الاعتراف والإقرار بعبوديتك لله وأن الله ربك ومولاك وسيدك والمنعم عليك، وهذا يفرض عليك طاعته، فواجبُ العبدِ تجاه سيده طاعتُه والتزامُ أمرِه واجتنابُ نهيه.

الثانية: إقرار العبد بإيمانه بالقضاء والقدر وأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن آمن بالقدر رضي بما قسم الله له فعاش عيشة سعيدة هنيئة أيّاً كان حاله من غنى أو فقر ومن صحة أو مرض، وفي الحكمة “لا يهنأ بالعيش إلا من رضي بالقدر”.

الثالثة: الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى التي وصف بها نفسه أو وصفه بها نبيه ﷺ وتدبر معانيها والعمل بمقتضاها ودعاء الله بها، فمن عرف ربه بأسمائه وصفاته ازداد من الله قرباً وحباً وخوفاً وعظمت خشيته ومن كان كذلك انقشعت أحزانه، وتلاشت همومه.

الرابعة: الإقبال على القران تلاوة وتدبراً وعملاً فمن أقبل عليه كذلك انشرح صدره، واطمأن قلبه، وسكنت نفسه، وكان أهنأ الناس عيشاً.

فليس القصد من هذه الأذكار والأدعية كلمات تجري على الألسن فقط دون أن يصحبها إيمان ولا عمل، بل من أراد ثمرتها حقاً فعليه أن يتمثل معانيها صِدْقا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أحيِنا مُسلمين، وتوفَّنا مُسلمين، وألحِقنا بالصالِحين غيرَ خزايا ولا مفتُونين. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.  


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *