العنوان : التوعية بأضرار الحج بلا تصريح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أما بعد:
فإن الحج إلى البيت الحرام من أعظم شعائر الله التي شرعها لعباده، فقد امتنَّ عليهم بهذا البيت فجعله مباركاً وهدى للعالمين، وجعله مثابة للناس وأمْنا، ولما أتمَّ إبراهيم بناء البيت أمره أن يؤذِّن في الناس بالحج إليه، ولما بَعث اللهُ نبيّهُ ﷺ فرضَ الحجَّ على هذا الأُمة مرّةً في العُمر مع الاستطاعة قال تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة مبشِّرةً مَن حج حِجة مبرورة بمغفرةِ ذنوبهم، وتكفيرِ سيئاتهم، ورفعةِ درجاتهم، قال تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى) قال ابن عمر: “أي رجع مغفوراً له” أي سواء تعجل أو تأخر إنِ اتقى اللهَ في حجه.
وقال ﷺ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه البخاري، وقال ﷺ «وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» متفق عليه
وتأمّلوا عبادَ الله في شرطِ المغفرةِ للحاج! فقد علّقها الله تعالى بالتقوى وهي فعل الأوامر واجتنابُ النواهي، وشرطَ النبيُّ ﷺ للمغفرةِ اجتنابَ الرفثِ والفُسوق، وعلّق فوز الحاجِّ بالجنة أن يكون الحجُّ مبروراً أي لا إثم فيه قال النووي رحمه الله: “الأصحُّ الأشهر أنّ المبرورَ هو الذي لا يخالطه إثم”.
فعلى الحاج أن يتقي الله في حجه وذلك بأن يحافظ على أركانِ حجه وواجباتهِ وسننهِ قدْرَ الاستطاعة، وأن يجتنبَ محظوراتِ الإحرام التي نُهيَ عنها المحرم بحجٍّ أو عُمْرة، وأن يجتنبَ الحاج والمعتمر المعاصي المحرّمةَ على المحرم وغيره، لأنها تُخرج الحجَّ عن كونه مبروراً وإن لم تكن من محظورات الإحرام.
ومِن تقوى اللهِ تعالى امتثالُ الأنظمةِ التي يضعها ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية لتنظيمِ شؤون الحج، ولضمانِ سلامةِ الحُجاجِ والعُمّار والزوّار، ولتوفيرِ سُبلِ السلامةِ لهم، بل لتوفيرِ سُبلِ الراحةِ والرفاهيةِ في رحلةِ حَجِّهم حتى يغادروا المشاعرَ المقدسة.
فالتزامُ الحاجِّ والمعتمرِ والمواطنِ والمقيمِ لهذه الأنظمة التي يتجلى فيها الحرصُ على تعظيم المشاعرِ المقدسة، وتعظيمِ هذا النُّسكِ العظيم، وتعظيمِ شأنِ الحُجاج والعُمّار والزوّار التزامه لها -لله تعالى قبل كل شيء – هو دليلٌ على أن قلبَه معمورٌ بتقوى الله تعالى لقوله سبحانه: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوا أمره واجتنبوا نهيه تسعدوا وتفلحوا وتفوزوا بخير الدنيا والآخرة (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)
إخوة الإيمان:
من أهمِّ الأنظمة التي وضعتها الدولة -أيّدها الله، ونصرها على من عاداها وعاندها- إلزامُها من أرادَ الحج بالحصول على تصريح، فعلى كل من أراد الحج أن لا يحج إلا بتصريح، فإن طاعة ولي الأمر من طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، وقال ﷺ (مَن أطَاعَنِي فقَدْ أطَاعَ اللَّهَ، ومَن عَصَانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ، ومَن يُطِعِ الأمِيرَ فقَدْ أطَاعَنِي، ومَن يَعْصِ الأمِيرَ فقَدْ عَصَانِي) متفق عليه.
فالذي نهاك عن لبس المخيْط وتجاوز الميقات بلا إحرام هو الذي نهاك أن تعصي ولي الأمر. فهل ترضى لنفسك أن تأخذ من الدِّين ما تهوى فقط؟
عباد الله:
تأملوا في العواقبِ السيئةِ للحج بلا تصريح من زيادةِ الأعداد التي تخرجُ عن الطاقة الاستيعابية للحرم والمشاعر، وتَعَرُّضِ الحجاجِ للتزاحمِ والتدافعِ وضرباتِ الشمسِ والموتِ بسبب ذلك. تأمّلوا في آثارِها على الخدماتِ الأمنيةِ والصحيةِ حين يتجاوز القادمون للحج العددَ الذي قدّرته الدولةُ بناءً على الإمكانات المتاحة.
إن هؤلاء الذين يحجون بلا تصريح يقعون في مآثمَ كثيرة:
منها معصية الله ورسوله ﷺ، ومعصيةُ وليِّ الأمر، ومنها الكذبُ، والخداعُ، وتركُ بعض واجباتِ الإحرام، وارتكابُ بعضِ محظوراته، كلُّ ذلك عن عمد، وقد قال النووي رحمه الله: ” ” ورُبَّمَا ارْتكَبَ بعضُ العَامةِ شيئاً من هذه المُحرَّمات وقال: أنَا أفْتدِي مُتوهِّماَ أنهُ بالْتزِام الْفِدْية يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَال المعصية وذلك خَطَأ صَريحٌ وجَهْلٌ قَبيح..ومَنْ فَعَلَ شيئاً مما يُحْكَمُ بتَحْريمه فقد أخْرَجَ حَجهُ عن أنْ يكونَ مَبْروراً” انتهى كلامه.
وبذلك يُعلم أن الحجِّ بلا تصريحٍ إضرارٌ بالنفسِ في الدنيا والآخر، وأذيةٌ عظيمة للمسلمينَ في الشهرِ الحرامِ والبلدِ الحرام، وتذكروا أيضاً أنَّ من يعين المخالفَ عن علمٍ وعمدٍ فهو شريكه في الإثم نعوذ بالله من أسباب سخطه.
اللهم إنا نسألك أن تحفظ الحجاجَ والمعتمرين، وأن تيسّرْ لهم أداءَ مناسكِهم آمنين، اللهم اجْزِ حكومةَ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ خيرَ الجزاء على ما تقومُ به من خدمةٍ فريدةٍ للحرمينِ الشريفينِ وقاصدِيْهما من الحُجّاجِ والعُمّارِ والزُّوار، اللهم أَعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، وانصر عبادَكَ الموحدين، اللهم وفّقْ إمامَنا ووليَّ عهدهِ لما فيهِ رضاك، واجعلْ عملَهم موافقاً لهُداك، وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا سميع الدعاء، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذابَ النار. اللهم صلِّ وسلّمْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.