العنوان : خطر نشر الشائعات والغيبة والنميمة، وبيان آثارها السيئة على الفرد والمجتمع.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا ألسنتكم إلا من قول الخير لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} وقوله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقوله تعالى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} ولقوله ﷺ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه.
واحذروا من آثام اللسان ومعاصيه فهي أكثر ما يورد الناس النار قال ﷺ: «وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟» رواه الترمذي.
ومن أشد آفات اللسان وآثامه اختراعُ الشائعاتِ وافتراؤها، أو نشرُها وإذاعتُها. لأن الشائعات إن كان تتعلق بالشؤون العامة كالاقتصاد والأمن والسياسة سببّت الخوف والفزع، والحزن والغم، وسببت أضراراً كثيرة على الناس، لذلك قال تعالى {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فأنكر نشر الشائعات، وأمر برد أمرها إلى ولاة الأمور.
وإذا كانت الشائعات تتعلق بالطعن في أعراض المؤمنين والمؤمنين كانت أذية لهم، وعدواناً عليهم، وقد توعد الله من آذى المؤمنين والمؤمنات بغير حق بقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.
وإذا كانت الشائعات طعناً وقدحاً في ولاة الأمور أو في العلماء كانت أشد خطراً، لأنها تؤدي إلى تفرق كلمة المجتمع، وتحول ولاء بعض الرعية إلى الأعداء والمتربصين، وتؤدي إلى فقد الثقة في أهل العلم الراسخين، وتتحول ثقتهم إلى الجُهال والمفسدين، فيضلونهم الضلال المبين.
فمن واجب المؤمن تجاه الشائعات:
أولاً: التثبت فيما يسمع أو يقرأ وترك المبادرة إلى التصديق والانخداع فنحن في زمن يسهل فيها نشر الأكاذيب قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
ثانياً: إن كانت الشائعة تتعلق قدحاً في عرض مسلم أو مسلمة فليتق الله وليكف لسانه وقلمه وليحسن ظنه بإخوانه قال تعالى {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} وقال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.
ثالثاً: إذا كانت الشائعة تتعلق بالقضايا العامة فليرد الأمر إلى ولاة الأمر فهم المعنيون بسياسة الناس والنظر في أحوالهم وما يصلحهم لقوله تعالى (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتجنبوا الغيبة والنميمة فهما من أشد آفات اللسان خطراً وأعظمها ضرراً، فإنها تأكل الحسنات، وتورث العداوات، ويعرّض صاحبها نفسه لكثير من العقوبات في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة.
أما الغيبة فهي الكلام في الناس في غيبتهم بما يكرهون، وأما النميمة فهي السعي بين الناس عامة وبين الأحبة خاصة للإضرار بهم، وإفساد ذات بينهم.
وقد نهى الله ورسوله عن هاتين الخصلتين قال: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وقال ﷺ: (لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)، وقال ﷺ: (لا يدخل الجنة نمّام).
ومن سمعته يغتاب أحداً في مجلسك أو جاءك ينم على شخص عندك فانهه عن ذلك وانصحه وخوّفه بالله تعالى ولا تقبلْ قولَه، وتذكر وذكّر بما جاء من الوعيد الشديد في المغتابين والنمامين، وتأمل أثرهم في إفساد المجتمع وإفساد العلاقات بين الأقارب والأهل والأصدقاء وغيرهم.
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغِلِّ والنفاق، وأن يطهر ألسنتنا من الغيبة والنميمة ونشر الشائعات، إنه سميع الدعاء. اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.