العنوان : الترغيب في تعلّم كتاب الله تعالى وحفظه والعمل به
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا – قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا – مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) و(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا – الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعتنوا بكتاب الله تعالى غاية العناية، وقوموا بما أوجبه الله عليكم تجاهه من الإيمانِ به، والعملِ بمحْكَمِه، والوقوفِ عندَ حدودِه، واستكثروا من تلاوته، واجتهدوا في حفظهِ أو حفظِ ما تيسّرَ منه، تنالوا بذلك السعادةَ والهَناء، والرِّفْعَةَ والسَّناء، واعلموا أنّ من خيرِ مشاريعِ العمر التي يُقدِّمُها المرءُ لنفسِه، وأعظمِها بركةً، أن يلتحقَ بِحِلَقِ التحفيظِ المناسبةِ لعمره، فكم من الخير والثواب في التعلّق بكتابِ الله عز وجل، والإقبالِ عليه تلاوةً وحفظاً، وتدبُّراً وفَهْماً، وتطبيقاً وعمَلاً. قال ﷺ “وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، َيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ” رواه مسلم. وقال ﷺ “خَيرُكم من تَعلّم القرآن وعَلَّمه” رواه البخاري
وكذلك مِن أحسنِ ما يقدِّمه المرءُ لأبنائهِ وبناته أن يُلْحِقَهم بِحِلَقِ التحفيظ ودُوْره، وأن يشجّعهم على ذلك حتى ينشؤوا حُفَّاظاً لكتابِ الله ومحبين له، ومتعلقين به، وقريبينَ منه، فيكونَ ذلك سبباً بإذن الله في استقامتهم، وصلاحِ حالهم، ونجاحِهم في دراستِهم، وتوفيقِهم في شُؤونِ حياتِهم، ما داموا محافظينَ على كتابِ الله حفظاً وتلاوة وعملاً، وهذا مما يَشهدُ به الواقع والحمد لله.
ثُمَّ إنّ الوالدَينِ إذا علّما ولدهما القرآن أكرمَهما اللهُ تعالى يومَ القيامةِ إكراماً عظيماً، لا يَكاد يخطرُ على البال. وإذا أردتَ أن تعرف هذه الكرامة فاستمع لهذا الحديث الذي جمعَ الإشادة بمن كان من أهل القرآن هو في نفسه، وأعانَ ولدَهُ على تَعَلُّمِ القرآن، قال ﷺ: «إنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُك، فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُك الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُك فِي الْهَوَاجِر, وَأَسْهَرْتُ لَيْلَك، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّك الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، قَالَ: فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ، لاَ يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ قَالَ : فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ ، أَوْ تَرْتِيلاً»، رواه ابن أبي شيبه وحسّنه الألباني.
فشجعوا أبناءكم وبناتكم على حفظ القرآن، والالتحاق بحلقه، ونافسوهم عليها، ولا يتعذّر أحدٌ بِكبَرِ سِنٍّ أو كثرة شُغُل، فكثير من الصحابة ومن أهل العلم ما حفظوه أو حفظوا كثيراً منه إلا على كِبَر وكثرة شغل.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد الله العزيز الغفور، وعد من تلا كتابه بتجارة لن تبور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك الملك الواحد الديان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه كان خلقه القران صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل القرآن والإيمان أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعمروا أوقاتكم بتلاوة كتاب الله جل وعلا وجاهدوا أنفسكم على العمل به، فهو التجارة الرابحة قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ونَوِّرُوا بيوتَكم وأَحْيُوْها بتلاوةِ كتاب الله فيها، فقد قال ﷺ : «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» رواه مسلم، وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ” إِنَّ الْبَيْتَ لَيَتَّسِعُ عَلَى أَهْلِهِ، وَتَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ، وَتَهْجُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَكْثُرُ خَيْرُهُ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيَضِيقُ عَلَى أَهْلِهِ، وَتَهْجُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ، وَتَحْضُرُهُ الشَّيَاطِينُ، وَيَقِلُّ خَيْرُهُ أَنْ لاَ يُقْرَأَ فِيهِ الْقُرْآنُ”. رواه الدّارِمِي.
اللهم اجعل لنا من تلاوة كتابك والعمل به أوفر الحظ والنصيب، اللهم ارفعنا به في الدنيا والآخرة إنك سميع مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر عبادك الموحدين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك وارزقه البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم وفق ولي عهده لما فيه رضاك واجعل عمله في هداك. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنين الأحياء منهم والاموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.