العنوان : وجوب لزوم الجماعة، والسمع والطاعة، والحث على المحافظة على أمن الوطن.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن استقامة الأحوال وصلاحها تكون في الاجتماع والائتلاف، وأن الشر والهلاك يكون في التفرق والاختلاف، لذلك أمر الله بالاجتماع على الحق، ونهى عن التفرق فيه، فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 105] وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى: 13]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا».
وإذا تأملنا وجدنا في الاجتماع على الحق والاعتصام بحبل الله وملازمة السنة واجتناب البدع الخيرَ كلَّه؛ ففيه طاعةُ اللهِ ورسولهِ ﷺ، والتآلفُ والتراحمُ بين المسلمين، والتعاونُ على البر والتقوى بينهم، وفي الاجتماعِ كذلك ثباتُ الأمن والاستقرار والطمأنينة، وفيه القوّة والمنَعَة ورهبةُ العدوِّ وقطعُ مطامعه.
وأما الفرقةُ ففيها ذهاب ذلك كله، ففيها التدابر والتناحر، وتعطّلُ المصالح، وزوالُ الأمن، ونزول الفتن، وحصول الضعفِ والهوان، وتسلطُ الأعداء، قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] يعني تذهب قوتكم ودولتكم.
فالاجتماع مقرون بالرحمة، والاختلاف مقرون بالعذاب قال تعالى (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118، 119] وفي الأثر “الجماعةُ رحمة، والفُرقة عذاب”.
إخوة الإيمان:
إن من أَجَلِّ صور الاجتماع وأعظمها الاجتماعَ على ولي الأمر بالسمع والطاعة له في المعروف، وصدق الوفاء ببيعته، والنصح له ببذل الحقوق التي له على رعيته، فإنّ الإسلام دين جماعة واجتماع فشعائره الظاهرة شعائر يجتمع فيها المسلمون كالجمعة والجماعة والعيدين والحج والعمرة والجهاد وغير ذلك من أحكامه وشرائعه التي لا يمكن إقامتها إلا بالاجتماع على ولي الأمر ويروى عن عمر أنه قال في هذا المعنى: “إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة”.
فحافظوا على دينكم وأمنكم ووطنكم بلزوم تقوى الله تعالى ولزوم السمع والطاعة، ولزوم الجماعة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]
وحافظوا على وطنكم بالمحافظة على أنظمة الدولة وقيام كل منا بمسؤوليته وعمله الذي كلف بالقيام به قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]
وراعوا مصالح وطنكم، واستحضروا حرمة الأرواح والأعراض والأموال والمرافق العامة والممتلكات الخاصة قال تعالى (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف: 56] وقال ﷺ: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» رواه مسلم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وتذكروا نعمة الله عليكم في هذا البلد بما حباكم به من نعمة الدين والدنيا، هدانا للإسلام، ورزقنا التمسك بالتوحيد، وعقيدة السلف الصالح، وجعل بلدنا مؤتمناً وراعياً وخادماً للحرمين الشريفين، فيه مهبط الرسالة ومهاجر محمد ﷺ، ورزقنا بولاة أمر يسيرون فينا سيرة قائمة على العدل والرحمة، والرعاية والعناية ومراعاة مصالح الدين والدنيا، ووفقهم للنهوض بهذه البلاد نهضة حضارية في شتى المجالات حتى صارت مضرب المثل ومحطّ الآمال للراغبين في الدين والدنيا، وامتد خيرها بفضل الله إلى المشارق والمغارب، فلله الحمد والمنة، والفضل كله، فلهذه القيادة المباركة علينا حق السمع والطاعة والحب والوفاء والدعاء، ولهذا الوطن وطن الإسلام والإيمان والتوحيد والسنة والأمن والرخاء علينا حق المحافظة عليه والدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس دونه ليبقى مأرز الإيمان ومعقل الإسلام، ومنارة تشع بالنور والخير للقاصي والداني تحت راية التوحيد.
فاشكروا على الله فضله فبالشكر تدوم النعم (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7] حفظ الله بلادنا وقيادتنا ووفقهم الله لكل خير.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أحيِنا مُسلمين، وتوفَّنا مُسلمين، وألحِقنا بالصالِحين غيرَ خزايا ولا مفتُونين. اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك يا رب العالمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.