فضل حُسْنِ الخُلُق والتحذير من إضاعة أجرِ الطاعات بالأذى | الترغيب في الإكثار من دعاء الله، وأن طلب المَدد من الأموات شرك أكبر | اسم الله الغفور | حثُّ مُلّاك العقارات على التيسير على الناس | فضل العلماء على الأمة، وعظم المصاب بفقدهم | وجوب لزوم الجماعة، والسمع والطاعة، والحث على المحافظة على أمن الوطن. | الترغيب في تعلّم كتاب الله تعالى وحفظه والعمل به  |

العنوان : فضل حُسْنِ الخُلُق والتحذير من إضاعة أجرِ الطاعات بالأذى

عدد الزيارات : 416

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله كما أمركم تنالُوا ما وَعَدَكم، قال تعالى آمراً عباده بتقواه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” ووعد المتقين وهو أصدق القائلين فقال جلال جلاله وتقدّست أسماؤه : “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا () وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ” وقال تعالى “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” وقال تعالى: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا”.  

وإنّ من تقوى الله تعالى التحلي بمكارمِ الأخلاق تأسِّياً بمن وصفَهُ ربُّه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} صلوات الله وسلامه عليه. فعليكم بمكارم الأخلاق؛ فإن الخيرَ كلَّ الخير فيها.

عباد الله: مَن أحبَّ أن يثقل ميزانه يوم القيامة فليحسّن خلقه قال ﷺ “ما مِنْ شيءٍ أثقلُ في الميزانِ مِن حُسنِ الخُلُقِ”

ومن أحبَّ أن يبلغَ درجةَ الصائم القائم فليحسّن خلقه، قال ﷺ ” إِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسَدِّدَ لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصَّوَّامِ الْقَوَّامِ بِآيَاتِ اللهِ، بِحُسْنِ خُلُقِهِ، وَكَرَمِ ضَرِيبَتِهِ ” أي وحُسن طبيعته وسجيته، رواه أحمد.

ومَن أحبَّ منكم أن يكون حبيباً إلى النبي ﷺ يومَ القيامة، قريبَ المجلسِِ منه فلُيحسِّن خُلقه قال ﷺ: “إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً” رواه الترمذي وحسّنه.

ومن عَلَتْ هِمَّتُه وسَمَتْ نفسُه لِأَن يكونَ من خيارِ هذه الأُمّة فليُحَسِّنْ خُلقَه قال ﷺ: “إِنَّ مِنْ خِيَارِكم: أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً” متفق عليه.

وإذا كانت أنظارُ الناس القاصرة ترى أحسنَ ما يُعطى الإنسانُ في الدنيا المالَ والثراءَ والغنى فاعلوا أنَّ أفضلَ من ذلك وخيراً منه عطاءُ اللهِ لعبدِه المؤمن حُسْنَ الخُلق، فقد سأل الصحابةُ النبيَّ ﷺ فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما أفضلُ ما أُعطِيَ المرءُ المسلمُ؟ قال: (حُسْنُ الخُلقِ) رواه ابنُ حبان.

إخوة الإيمان: إنّ حُسْنَ الخُلقِ في القرآن والسنة لا يعني أن يكون المسلمُ حَسنَ الخُلُقِ مع الناس، سيءَ الخُلقِ مع الله، فتراه مع الناس بَشُوشَاً لطيفاً، كريماً رحيماً، يُسعد هذا ويخدِم ذاك، ولكنّه مضيّعٌ لصلاته التي هي عمودُ الدين، وركنُهُ الأعظمُ بعد التوحيد، ولا يتحاشى عن المجاهرة بالمنكرات، والمداومةِ على ترك الواجبات.

بل المعنى الصحيحُ لـِحُسْنِ الخُلق أن يَحْسُنَ خُلقُ العبدِ مع ربه أوَّلاً بتقواه جلَّ وعلا بتوحيدهِ وامتثالِ أمره، واجتنابِ نهيه، وتصديقِ خبره، والتسليمِ لحكمه، وتركِ الاعتراض على قضائه وقدره. ولزوم سنة نبيه ﷺ واجتناب البدع والمحدثات.

ثم بـِحُسْنِ الخُلقِ مع الخَلق بالتعاملِ معهم وِفق ما شرع الله عزّ وجلَّ في كتابه وبيّنَهُ النبيُّ ﷺ في سنَّتِه، كطلاقةِ الوجه، وبذلِ المعروف، وكَفِّ الأذى، ولِيْنِ الكلام، واللُّطْفِ مع الأهل، وحُسْنِ الجِوار، وصِلَةِ الرَّحِم، وإكرامِ الضيف، ورحمةِ المساكين، ولزوم الجماعة، والسمعِ والطاعة، والأمرِ بالمعروف، والنهيِ عن المنكر، وسَترِ عيبِ المسلم، والرفقِ بالحيوان، وغيرِ ذلك من مكارم الأخلاق ومحاسنها. فبهذا ينتفع المسلم بحسن خلقه في الدنيا والآخرة، جعلني الله وإياكم ممن حَسُنَتْ أخلاقُه، وثَقُلَ يومَ القيامةِ ميزانُه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وتدبروا كتاب الله لتعرفوا أخلاقَ نبيكم ﷺ الذي هو أسوتنا في مكارم الأخلاق ومحاسنها فإن عائشة رضي الله عنها سُئلت عن خُلق النبي ﷺ فقالت: “كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ” فما شرعه الله فامثتلوه، وما نهى عنه فاجتنبوه. وقد قال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}  

إخوة الإيمان: كما جاء الترغيب في محاسن الأخلاق فقد جاء الترهيب من مساوئها، وإنّ أهلَ الصلاحِ والطاعةِ وملازمةِ المساجد هم من أولى الناس بلزوم محاسنِ الأخلاق مع الناس واجتناب مساوئها، وذلك بإفشاءِ السلام، وطلاقةِ الوجه، والتواضعِ للخَلق، والرحمةِ والرِّفق، واجتناب الأذى والنميمة، والسخريةِ والغيبة، وبَذَاءَةِ اللسان، فإنَّ الشيطانَ إذا عَجَز عن صرفِ العبدِ عن الطاعة حَرَصَ على تضييعِ كثيرٍ من أَجره، وتكثيرِ ما استطاعَ من وِزْره بسُوءِ الخُلُقِ مَعَ بعضِ إخوانه من أهلِ مسجده أو جيرانه أو غيرِهم. وقد ذُكِرَ للنبيِّ ﷺ امرأةٌ كانت تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ لكنَّها تؤذي جيرانَها بلسانِها فقال ﷺ: “هي في النار” نعوذ بالله من ضياع الحسنات بالسيئات.  

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *