العنوان : محاسبة النفس، والتحذير من بدع محرم (خطبة مكتوبة)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله ربكم، وحاسبوا أنفسكم، وانظروا ما قدمتم لغدكم، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ }
عباد الله:
في هذه الآيات الكريمات أمرنا الله تعالى بالتقوى، وهي فعلُ ما يرضيه، واجتنابُ معاصيه، ثم أَمَرنا أن نحاسبَ أنفسَنا وأن ننظرَ في أعمالِنا، فإننا سنلاقي ما قدمنا من خيرٍ وشر، من عملٍ صالحٍ وسيء، من طاعةٍ ومعصية ، كلُّ ذلك سنجده في كتابٍ لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا حصاها، ذكرناها أو نسيناها {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}
وإذا سألتَ يا عبد الله متى يومُ القيامة؟ ومتى الجزاء والحساب؟ ومتى الجنة والنار؟ فلتعلم أن ذلك كلَّه قريب ليس ببعيد، ولهذا قرّبه الله فقال (مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، فكأنّ عمرَكَ كلَّه يا ابنَ آدم هو هذا اليومُ فقط، ثم غداً تقومُ قيامتُك. ومن استشعرَ قربَ لقاءِ الله، ودنوَّ القدومِ عليه؛ زهد في الدنيا، واجتهد في عملِ الآخرة، وحاسب نفسَه على الأقوال والأعمال. مترقباً هجومَ المنايا، وانقضاءَ الآجال.
ثم كرّر اللهُ أمرَ عباده بالتقوى، مع تذكيره لهم بأنه خبيرٌ بأعمالهم، مُطَّلِعٌ على أحوالهِم؛ فإنّ مَن استحضر أنّ ربَّه يعلمُ حالَه، ويرى أعمالَه، ويسمع أقوالَه، استحيا من ربه وليِّ نعمتِه، وكفّ نفسَه عن معصيتِه، وأقبل مسرعاً على طاعتِه، وجاهد نفسه في الله قدر استطاعتِه.
ثم نهى الله عباده المؤمنين أن ينسوا ذِكرَ ربِهم فيتركوا طاعتَه، ويجترئوا على معصيته، فينسيْهم مصلحةَ أنفسِهم، ويخذلهُم خِذْلاناً، فلا يوفقهم للشكرِ عند النعماء، ولا للصبرِ عند الضراء، ولا للتوبةِ بعد العصيان. فيلاقوا ربَّهم فاسقين، وعن طاعتهِ خارجين، فيا لها من سوءِ خاتمة، ويا لها من شَرِّ عاقبة. أعاذني الله وإياكم.
ثمّ نبّه الله عباده وذكّرهم بالفرق الكبيرِ، بين أهل الجنة وأهل السعير، فأخبر أنهما لا يستويان. وكيف يستوي السعداء والأشقياء؟ والمقرّبونَ والـمُبْعَدُون؟ والـمُكْرَمُونَ والمهانون؟ والرابحونَ والخاسرون؟ هَيْهاتَ هَيْهاتَ لا يستوون.
فالجنة دار السعادة والفلاح، والنار دار الشقاء والخسران، وللجنةِ عملٌ وللنار عمل، فمن أراد الجنةَ فليعمل بعمل أهل الجنة حتى يلقى الله، يكن برحمة الله وفضله من أهلها، جعلني الله وإياكم من أهلها؛ إن ربنا رحيم كريم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واغتنموا هذا الشهرَ شهرَ المحرم بالصيام؛ لما ثبت عنه ﷺ أنه قال: “أَفْضَلُ الصِّيَامِ ، بَعْدَ رَمَضَانَ ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ” رواه مسلم. وآكدُ أيامِ هذا الشهر بالصوم صومُ يومِ عاشوراء لقوله ﷺ “صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ” رواه مسلم، والأفضلُ أن يصومَ قبلَهُ يوماً لقوله ﷺ : ” لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ” رواه مسلم.
إخوة الإسلام: احرصوا على السُنن واحذروا البدع، فإنّها طُرقٌ تؤدي إلى النار من حيث يظن أهلها أنها تؤدي إلى الجنة قال ﷺ :”كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلُّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ”، ومن البدع التي أُحدثت في شهرِ محرم ما تفعله الروافض في عاشوراء من النياحة واللَّطْمِ وتعذيبِ أنفسهم حزناً على الحسين رضي الله عنه فيما يزعمون، وهي أعمال قبيحة، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا دليل عليها ولا برهان.
ومن البدع المحدثة إقامةُ الاحتفالاتِ بمناسبة الهجرة النبوية، مع أن الهجرة لم تكن في محرّم. ولم يحتفل بها النبي ﷺ ولا أصحابه رضوان الله عليهم.
ومن البدعِ كذلك ما يفعله بعضُ الناس من افتتاح السنة الهجرية بشَرابٍ أبيض أو طعامٍ أخضر لتكونَ سَنتُهم سنةً طيبة، قال ﷺ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وليس للشراب ولا للطعام ولا للألوان تأثيرٌ في جلب خير ولا دفع ضر، بل كلُّ شيءٍ بتدبيرِ الله، وكلُّ شيءٍ بقضائه وقدره، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
عباد الله:
لقد أكمل الله لنا الدين، وبلّغ رسوله البلاغَ المبين، فما لم يُبلّغه النبيُّ ﷺ فليس من الدين، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) والحمد لله حمداً كثيراً.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ عليه وسلم تسليماً، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وهيء لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين، اللهم أمّن حدودنا وانصر جنودنا ويسر أمورنا، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، والحمد لله رب العالمين.
Thakyou