العنوان : التحذير من استعمال الذكاء الصناعي في الإثم والبغي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آلة وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله تعالى سخّر لعباده ما في السماوات وما في الأرض لأجل أن يستعينوا بهذا التسخير على عبادة ربهم وعمارة دنياهم في حدود ما أذن لهم فيه، وهذا التسخير نعمة عظيمة فمن آثاره ما يفتحه لعباده من الخزائن في كل وقت وفق ما تقتضيه حكمته، فيفتح ما كان مغلقاً من قبل، ويخلق ما كان مجهولاً لنا من قبل قال تعالى (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال تعالى (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
ومن ذلك ما يعرف اليوم بالذكاء الصناعي، فهو من النعم الكبيرة التي تسهم في تسهيل حياة الناس؛ فتوفر عليهم الجهد، وتختصر لهم الوقت، وتقرّب لهم البعيد، وإنما يكون نعمة في حق من أحسن استعماله فاستعان به على طلب العلم النافع، ونشر دعوة الخير، واستعان به على مصالح دنياه المباحة، ومن كان كذلك فهو الذي أدى شكر هذه النعمة، وأما من استعمل الذكاء الصناعي في الشر والإساءة والأذى فذلك ممن كفر بنعمة الله واستعان بها على معصية الله والعياذ بالله.
عباد الله:
إن من الناس اليوم من يستعمل برامج الذكاء الصناعي في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، ومنهم من يستعملها في نشر الفتاوى الشرعية المضللة، ومنهم من يستعملها في تشويه سمعة الآخرين وإلصاق أمور مشينة بهم لم يقولوها ولم يفعلوها، من خلال مقاطع مرئية ومسموعة دُبْلِجَتْ وأُنتِجَتْ بالذكاء الصناعي حتى يظنها المشاهد حقيقة وهي ليست بحقيقة.
وهؤلاء عليهم أن يراجعوا أنفسهم، وأن يحاسبوها، وليتذكروا أن لهم مقاماً بين يدي الله فيجازيهم على ما قالوا وفعلوا قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فهذه المواعظ والقوارع كفيلة بردع من تأملها وتدبرها وأيقن بها يقينا جازماً عن الوقوعِ في هذه المزالقِ الخطيرة، والآثامِ الكبيرة. عافاني الله وإياكم.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن على المسلم مع وجود تقنيات الذكاء الصناعي، ذات القدرة على التقليد والخداع، عليه أن يتحرى ويتثبت فيما يُنشر في وسائل التواصل، فلا تُصدِّق كلَّ ما ترى أو تسمعُ أو تقرأ، ولا تسارع بنشرِ كل ما يصل إليك؛ لقوله ﷺ “كَفى بالـمَرْء إثماً أن يُحَدِّثَ بكُل ما سَمِعَ” صححه ابن حبان.
عباد الله:
إن نشر الكذب والإفك والبهتان له مفاسد كثيرة، منها:
إشاعةُ الخوف وسوءِ الظن وإفسادِ العلاقةِ بين الراعي والرعية، حين يكون الكذب على الدولةِ وولاةِ أمرها.
ومنها إساءةُ الظنِّ بأهلِ العلم والتلاعبُ بالدين وأحكامِ الحلالِ والحرام، حين يكون الكذبُ على أهل العلم والفتوى.
وإذا كان التلفيقُ والدبلجةُ متعلقةً باتهامِ رجل أو امرأة في الشرف والعرض ترتب عليه إثم عظيم، ومفاسدُ كبيرة، قد تصل إلى انهدامِ أسرة، أو فصلٍ عن وظيفة، أو إزهاقِ روحٍ بريئة، أو فسادِ ذاتِ بينٍ وقطيعة، كلُّ ذلك بغيرِ وجهِ حق.
فليتق اللهَ المسلمُ، وليتذكر أن استعمال الذكاء الصناعي في الكذبِ والافتراء خطرٌ على الدين والدنيا، وخطر على الفردِ والمجتمع، وفسادٌ في الأرض، وأذية للمؤمنين، وقد قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وقال تعالى: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) عصمني الله وإياكم من أسباب سخطه وغضبه.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفِّق إمامنا وولي عهده لهُداك، واجعَل عملَهم في رِضاك، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.